ولعلكم تذكرون كيف كان المعتقل من بيننا يدخل الى الزنزانة وترصد كاميرات الصحافة أحاسيسه وإنفعالاته وهو يتفقد المكان، ويبحث البعض عن أسمائهم التي حفروها على جدران هذه الزنازين، ويقرأ البعض الفاتحة على أرواح رفاق لهم قضوا شهداء في هذه الزنازين وفي أقبية التحقيق.
إن مررت بمحاذاة مبنى المقاطعة في نابلس حيث كان المبنى "سجن نابلس المركزي" أتذكر قسم الزنازين حيث قبعت وأترحم على أحد أوائل الشهداء في زنازينه الشهيد يوسف الجبالي الذي إستشهد تحت التعذيب بتاريخ 4/1/1968، وأتذكر ذلك التاريخ الشفوي للحركة الأسيرة داخل السجن حيث تردد على مسامعنا شهداء سجن نابلس المركزي يوسف الجبالي (4/1/1968)، عثمان البحش (28/8/1970)، فريز طشطوش (27/9/1973)، خضر عيسى هيلانة (4/6/1976)، فريد غنام (28/5/1978، وأحمد إسماعيل 7/10/1993.
هل تعلمون أيها ألأحبة أن المركز الشبابي في الفارعة قرب نابلس كان إسطبلا للخيل في الحقبة البريطانية والأردنية، حولته سلطات الإحتلال الى معتقل وسجن عسكري وكمركز للتحقيقات والإعتقالات وأغلق عام 1995 وإستشهد في داخله 25 شهيدا في الانتفاضة الأولى.
وكيف لي أن أنسى سجن رام الله المركزي، حيث مقر الرئاسة الأن، الواقع بالقرب من منزلنا، عندما كنت أقبع في الزنازين القريبة جدا من منزلنا وكنت أسمع صوت شقيقي وليد يتحدث إلينا وأقرأ على جدران الزنازين أسماء محفورة ومنها بعض أسماء الشهداء محي الدين العوري (2/3/1973)، محمد الخواجا (2/6/1976)، خليل أبو خديجة (5/4/1983).
ويمر شريط الذكريات من أمامي سجن البصة في بيت لحم ورفيق ساعة السيتزين نمر عوينه سبعينات القرن المنصرم ولا زلت أذكر إسم الشهيد خليل قرينات محفورا على جدار الزنزانة ( 28/4/1968)، والــ (78 درجة) في سجن الخليل من قسم الزنازين الى غرف التحقيق حيث أجبر الشهيد مصطفى العكاوى على صعودها وهو مرهق جراء التعذيب الذي تعرض له فإستشهد بتاريخ 4/2/1992، لينضم الى شهداء سجن الخليل سالم صافي (6/1/1971)، مصطفى الحرباوي (27/2/1972)، عمران أبو خلف (5/6/1976)، حازم عيد (9/7/1992) ومحمد الجندي (10/5/1993).
وفي سجن غزة المركزي "السرايا" إستشهد تحت التعذيب كل من أحمد أبو عميرة (15/8/1969)، محمد وشاح (1/9/1971)، سالم أبو سته (13/10/1974)، يوسف كريم (13/7/1978)، محمود المصري (7/3/1989)، جمال أبو شرخ (3/12/1989)، خالد الشيخ علي (13/12/1989)، عطية الزعانين (13/11/1990)، سامي زعرب (29/8/1991)، أيمن نصار (2/4/1993).
وفي سجن جنيد إستشهد كل من سليم أبو صبيح (7/4/1982) ومحمد فريتخ (16/4/1985) وطارق الحموري (3/4/1987، وجاسر أبو إرميلة (20/10/1991)، ويحيى الناطور (10/9/1993).
ومن منا ينسى شهداء سجن الظاهرية الشهيد عطا عياد (14/8/1988) والشهيد إبراهيم المطور (21/10/1988). وفي سجن طولكرم الشهيد حمزه شعيب (25/2/ 1983)، والشهيد مصطفى بركات (4/8/1992) وفي سجن جنين الشهيد عجاج علاونه (16/10/1876). ونحن لا نتحدث هنا عن قافلة شهداء الحركة الأسيرة في المعتقلات والسجون داخل فلسطين التاريخية.
كيف لنا أن ننسى ذلك الكيس النتن الذي كان يغطي رؤوسنا، وكلبشات الحديد الأمريكية التي كانت المحقق يضغطها بقدمه على معصم كل منا فيشل عصب الابهام، وكيف ننسى شتى أنواع " الشبح"، شبح الكرسي الصغير، وشبح الموزة، وشبح البكرة، وشبح مربط الخيل في إسطبل الفارعة، وكيف كنا نميز المحققين من أحذيتهم وأصواتهم. كيف لنا أن ننسى كابتن موريس، وغزال ( تسفيكا) وروني ويوسي ويوني وأبو العبد وغيرها من الأسماء المستعارة، كيف لنا أن ننسنى طقوس " الفحص الطبي" المذلة والمضحكة في ذات الوقت، كيف لنا أن ننسى الإضرابات الشهير وبضمنها الإضراب عن الطعام، وكيف لنا أن ننسى التفاصيل اليومية الصغيرة، وكيف وصف الشاعر الكرمي عبد الناصر صالح معتقل أنصار (3) في النقب بالقول:-
هو السجن
مدرسة للنضالات
إضبارة للعلاقات
شمس
تخلف أجسادنا
مضغة للسواد
مع قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية ... إختفى ذلك كله أيها الأحبة ..... لماذا؟
في كافة أنحاء العالم هناك المتاحف التي تتحدث عن تاريخ البلد وعن تاريخ الشعب ونضالاته، وتعتبر جميعا تماما كما الأماكن الدينية والتاريخية جزءا من الأماكن السياحية والمزارات لأفواج السياح التي تقول لهم أن كينونة البلد لم تتأتى إلا بتضحيات الأبناء والبنات، وتبقى هذه الأماكن شاهدا على التاريخ والنضال والمعاناة.
نحن بحاجة الى حالة إستنهاض لتثبيت هذا التاريخ من خلال إعادة معتقل الفارعة ومعتقل الظاهرية والسجون المركزية في مناطق الكيان الوطني الفلسطيني الى شواهد على التاريخ حتى لو بقي جزء منها كمراكز شبابية وبالتأكيد لن يبخل أي من المعتقلين في تقديم المعلومات وسيل الذكريات.
إننا بذلك نعيد لتاريخنا ... تاريخه ونعطي لشهداءنا وأسرانا وجرحانا ومعاقينا حقهم في أن يخلدهم التاريخ وبماء الذهب.
علينا في كل موقع من مدننا وقرانا ومخيماتنا سقط فيه شهيدا أن نقيم نصبا تذكاريا بسيطا يتضمن معلومات مختصرة حول الشهيد وظروف إستشهاده، علينا أن نعيد ذاكرة العالم الى باستيلات الاحتلال التي كانت قائمة ولتأت الوفود الزائرة لترى ذلك كله.
من لا ماض له ... لا حاضر له ولا مستقبل والتطبيع كما يقول شاعرنا الراحل محمود درويش هو " القبول برواية الطرف الأخر عن التاريخ".
نقطة وع السطر.