ولأن صناع القرار في بلادنا، لا يأبهون لمستقبل هذه الامة ولا حتى لحاضرها، تم المرور عنهن مرور اللئام.
الاولى هي هدى غالية، التي رآها العالم عبر الشاشات قبل نحو 14 سنة على شاطيء مدينة غزة، طفلة تذهب لانقاذ حياة ابيها، فترى القذيفة الاسرائيلية قد نالت منه، فتسارع لانقاذ اخيها الاول، فتجدها قد نالت منه ايضا، فالثالث والرابع، كانت بالفعل تتسابق مع الموت، وكان في كل مرة يسبقها، عادت الى البيت من دونهم.
وعلى مدار 14 سنة، كانت تراهم كل صباح دون ان تراهم، تسمع ضحكاتهم فتضحك لحظة او لحظتين، فسرعان ما تنتصر دموعها عليها وعلى البيت والعمر.
بالامس أدت هدى يمين المحاماة من الجامعة الاسلامية، معلنة انتصارها على الموت والحزن والفجع الذي حاصرها من كل الجهات في كل الاوقات.
ربما انتبه الاخ اسماعيل هنية اليها عندما هاتفها مهنئا، من يدري ربما لو لم يهاتفها لما كنا سمعنا بتخرجها.
الثانية هي اللبنانية زينة عكر وزيرة الدفاع الجديدة، وبغض النظر عما ستنجزه هي وحكومتها، فإن للخبر وقعا هائلا، ففي كل هذا التاريخ العربي لم يكن هناك من وزيرة للدفاع قبلها، ونظن تطيرا، انه سيمر وقت طويل قبل ان نسمع عن الوزيرة الثانية، ذلك ان الكثيرين لم يلتقطوا المسألة ايجابا، بل ان الغالبية تندرت عليها شخصيا، ثم على وزارة الدفاع اللبنانية ، ثم على الحكومة ، ثم على لبنان كله.
الثالثة هي المصرية مفيدة عبد الرحمن (1914-2002)، اول محامية في التاريخ العربي، عانت كثيرا قبل ان تقبلها جامعات مصر لانها تزوجت وهي صغيرة (17 سنة)، وكانت الجامعات المصرية ترفض قبول المتزوجات، وعدت اول متزوجة تقبلها جامعة القاهرة، اول دخل شهري لها كان عبارة عن سبعة جنيهات ، ترافعت في اربعمائة قضية رأي عام.
قفزت الى ذهني قضية الاحتجاجات ضد تشريع السلطة عدم تزويج القاصرات، وهي احتجاجات عجيبة ، فعدا عن انها ترتدي اسمالا دينية حزبية عشائرية، فإنها تحدث على بعد نحو مئة سنة من مفيدة عبد الرحمن، التي كادت ان تفقد حقها في التعليم بسبب زواجها المبكر، لأن من يدعو الى ذلك، فإنه فعليا يدعو الى عدم تعليمها، ولولا مؤشر البحث العالمي غوغل، الذي احتفل بمرور 106 سنوات على مولدها، لما كنا سمعنا بها.