لم نسمع أي مقدمات سابقة لهذا القرار الذي جاء بناء على طلب النائب العام ، ولم يكن هناك فترة زمنية بين طلب النائب العام وبين صدور القرار ، أي أن الأمر كان كن فيكون ، خلال 24 ساعة فقط تم صدور القرار بالحجب .. أمر طارئ لا يحتمل التأخير مطلقاً .
في مقدمة القرار وردت عبارة ( باسم الشعب الفلسطيني ) ، كيف لهذا القرار أن يكون باسم الشعب والشعب نفسه ليس لديه أي علم ولا أدنى فكرة عن الموضوع !! الشعب تفاجأ بالقرار ، وأصيب بصدمة كبرى ، إن هذا القرار يريد أن يكمم أفواه الشعب الذي تنطقون باسمه ، ولم يكون هذا القرار تحديداً باسم الشعب في حين أن الشعب يطالب بالعديد من القرارات جهراً وتكراراً .... ولا استجابة له وكأنه ( ينفخ في قربة مقطوعة ) .
أما بالنسبة لمسببات هذا القرار فقد ورد في القرار أنه جاء استناداً للمادة 39 من قانون لجرائم الالكترونية ، وأنا هنا اقتبس من نص القانون " .. إذا ما رصدت قيام مواقع إلكترونية مستضافة داخل الدولة أو خارجها، بوضع أي عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أي مواد دعائية أو غيرها، من شأنها تهديد الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة، ... " هل فعلاً ما ينشر على هذه المواقع يهدد الأمن القومي والنظام العام والآداب العامة ؟؟ ليس من بين هذه المواقع أي موقع ( إباحي ) أو ما يهدد الأمن القومي ، في حين أن ما يمكن أن يجمع بينها هي أنها ( منتقِدة ) .
التساؤل الآن ، هل سيسير القرار بإجراءات المحاكم المتعارف عليها من استئناف وطعن ، والسماح للطرف الآخر بالدفاع عن نفسه والسماح له بتوضيح وجهة نظره القضية ، أم أنه قرار نهائي ، لعل المختصين بهذه الإجراءات يفيدونا فيما يتعلق بالخطوات اللاحقة لإصدار القانون من قبل محكمة الصلح . إن لم يتم إلغاؤه ..
كنا نأمل من قانون الجرائم الالكترونية أن يعود بالنفع على مجتمعنا ، وأن يتم استغلال مواده في مكافحة جرائم الابتزاز ، وسرقة الأموال وتسريب المعلومات مثلاً ، أم أن يتم استغلال القانون ضد حريات الشعب ، وتكميم أفواهه والوقوف في وجه حرية الرأي ، والتعرف على مختلف وجهات النظر .
ما أفكر فيه هو كيف ستتمكن الجهات المكلفة من تنفيذ هذا القرار ؟؟ كيف يمكن حجب صفحة على الفيس بوك ( تقنياً )؟ هل سيتم الطلب من إدارة فيس بوك أن تحجب هذه الصفحات وهل ستوافق إدارة فيس بوك بدورها على ذلك ؟
كما أن مسألة أن تدرج قائمة بهذه الصفحات والمواقع هو أمر سيثير في الناس الذين لا يعرفونها ولم يسمعوا عنها أن يبحثوا عنها ، وأنت بذلك خدمتها بالترويج لها ، فالمقولة في هذا الشأن معروفة ( كل ممنوع مرغوب ) ، كما أن انتشار شرائح الانترنت الإسرائيلية سيمكن الناس من الوصول إلى هذه المواقع ومتابعتها كالسابق إن لم يكن أكثر ، لن نكذب على أنفسنا في موضوع السيطرة على تزويد مناطق الضفة الغربية بالانترنت ، فالمصادر الأخرى موجودة وبقوة .
لذلك أرى أن من غير المجدي أن يتم اتخاذ قرار كهذا في مثل ظروفنا الراهنة وإثارة البلبلة بين الناس ومحاولة المس بحرياتهم ، والوقوع في الجدل حول نزاهة القضاء والقضاة ، ومدى الدقة والموضوعية في الآلية التي تم فيها صدور هذا القرار ، بل وفي طريقة إعداد القائمة نفسها ، في الوقت الذي لا يمكن فيه تطبيق القرار ( عملياً ) على أرض الواقع .
سينقلب القرار بنتائجه على من قام بطلب اتخاذه ومن اتخذه ، الحكومة تقف إلى جانب الناس في رفضها للقرار ومطالبة القضاء بإلغائه ، والناس سيستمرون في متابعة هذه الصفحات والمواقع بل سيزيد عدد الباحثين عنها ومتابعتها ... لم يكن هذا القرار إلا ترويجاً مجانياً لهذه المواقع ، ولفت انتباه الناس لها ودفعهم للتعرف على طبيعة المحتوى الذي تعرضه والذي تسبب في حجبها . فلسان حال أصحاب هذه الصفحات ربما يقول : " ربَّ ضارة نافعة ."