اطلس- ما الذي يدفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى توقيع قرار يقضي بالسيادة الرسمية لإسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة؟ ولماذا يوقع على قراره هذا في توقيت حساس
وهل يمكن أن يستتبع هذه الهدايا التاريخية من قبل ترامب هدية ثالثة ورابعة؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة ينبغي الإشارة هنا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو الذي دفع باتجاه إصدار مثل هذا القرار الترامبي، وهو الذي أراد أن يكون القرار متقاطعاً مع المعركة الانتخابية التي تشهدها إسرائيل لاختيار حكومة جديدة.
دوافع ترامب لتوقيع قرار يؤكد على حق إسرائيل في ضم مرتفعات الجولان يعود أولاً لعلاقة الصداقة الاستراتيجية التي تجمعه بنتنياهو قبل أن يكون ترامب رئيساً، وهي علاقة بأوجه كثيرة وتتجاوز الإطار الصداقي إلى البعدين الداعم والمصلحي.
ربما أراد الرئيس الأميركي أن يرد الجميل إلى نتنياهو الذي دفع بقوة من أجل اختيار ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في الانتخابات الرئاسية عام 2016، ورد الجميل هذا بالتأكيد على ضمان تفوق إسرائيل في محيطها الإقليمي.
ثانياً: يمكن القول إن ترامب يسعى إلى إعادة برمجة العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل من حيث تقديم الدعم لها على كافة المستويات المادية والمعنوية، بدليل أنه اعتبر القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى هناك.
ثالثاً: من غير المستبعد أن يرتبط القرار الترامبي بمصير إيران في سورية، بمعنى أن يكون القرار رداً على موقف القيادة السورية من مسألة الوجود الإيراني هناك، وتأكيداً على حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها.
رابعاً: ليس هناك من توقيت جيد لتوقيع القرار أكثر من هذا الوقت الذي يعيش فيه العرب أسوأ أيام حياتهم، إذ ربما يعتقد الرئيس الأميركي أن أكثر ما يقوم به العرب هو استنكار قراره وإدانته بالورق والتصريحات لا أكثر.
خامساً: قد تكون هذه الهدية مقدمة على هدية أكبر من المحتمل أن يحصل عليها نتنياهو إذا ما فاز في انتخابات الكنيست، وهي قد تكون مرتبطة بصفقة القرن وترتيبات تتعلق بسيادة إسرائيل على أغلب مناطق الضفة الغربية، كما صرح بذلك سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان.
يشبه قرار ترامب هذا وعد بلفور الذي اختزل بمقولة "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، حيث أن المجتمع الدولي يرفض الاحتلال الإسرائيلي للجولان منذ عام 1967، وسبق لمجلس الأمن الدولي أن أصدر قراراً يرفض ضم الكنيست الإسرائيلي هذه المنطقة عام 1981.
غير أن الرئيس الأميركي الذي وقّع على قرار سيادة إسرائيل على الجولان، يدرك أن نتنياهو يعيش أوقاتاً صعبة والانتخابات على الأبواب، وبالتالي فإن رد الجميل يكون بمثل هذه الهدية التي وصفها نتنياهو بالتاريخية والتي قد تعيد فوزه في الانتخابات التي تجرى في التاسع من الشهر المقبل.
مثل الطاووس كان يقف نتنياهو خلف ترامب في لحظة سعادة غامرة وكأنه حقق النصر الكبير، وهو كذلك حين يتعلق الأمر بقضايا فساد تلاحقه وتكاد تطيح بسمعته، فضلاً عن انعكاس مثل هذا القرار على الوضع الداخلي الإسرائيلي.
لا يختلف أحد على أن نتنياهو منذ توقيع القرار بدأ يستثمره في إعادة إنتاج نفسه على أنه مُخلّص إسرائيل من الخوف الأمني، على الرغم من أنه بدا منزعجاً للغاية من صاروخ فلسطيني أطلق شمال تل أبيب، لكنه فضّل التعامل مع الأمر بشكل لحظي وضمن فلسفة ضربة خاطفة وتهدئة أسرع.
لا يريد رئيس الحكومة الإسرائيلية أن يدخل في عدوان واسع على قطاع غزة، لأن ذلك قد يدفعه للهاوية في حال فشل في تحقيق إنجاز هناك، ولذلك من غير المستبعد أن يكون هو الذي بادر للحديث عن تهدئة سريعة مع "حماس" عبر الوسيط المصري، للتفرغ للانتخابات واستكمال فرحة إنجازه الدبلوماسي.
الآن كل ما يلفت انتباه نتنياهو هو نجاحه على منافسيه في انتخابات الكنيست المقبلة، وسيقدم نفسه للناخبين على أنه السياسي الأكثر كفاءة في جلب المصالح لبلاده، والأقدر على توظيف العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن للحصول أكثر على هدايا ثمينة.
في كل الأحوال لن يقدم قرار ترامب أو يؤخر شيئاً، باستثناء أنه يقول للعالم "طز" في القرارات الدولية وإسرائيل في قلبي، والجولان في القوانين الدولية ستبقى أرض سورية محتلة من قبل إسرائيل، طالما وأن كل دول العالم ترفض وتدين القرار الأميركي.
وعدا عن الولايات المتحدة الأميركية لا يوجد هناك من يدعم موقفها هذا لصالح إسرائيل، ومع ذلك من غير المتوقع أن نسمع عن تصعيد سوري- إسرائيلي على هضبة الجولان، سوى أن دمشق تحتفظ بحق الرد وستحرر الهضبة بكل الطرق المناسبة!
يبدو أن ترامب جرّب العرب في موضوع القدس ولم يلق منهم سوى عبارات الشجب والتنديد، ولذلك تقدم خطوةً إلى الأمام بتوقيع قرار بشأن الجولان وأيضاً لم يفعل العرب شيئاً أكثر من تأكيدهم على بطلان هذا القرار.
قد يكون في جعبة الرئيس الأميركي هدايا قيّمة لإسرائيل لكنه ينتظر تقديمها بعد الانتخابات القريبة، وهو غير آسف لكل الحناجر العربية التي تصدح ومن ثم ترضخ للأمر الواقع، إذ لم يمنعه أحد من تمرير كل مخططاته لتقوية إسرائيل، فهل يصعب عليه تمرير صفقة القرن؟
خلاصة القول إن المشكلة ليست في الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، فهذه هي لغة المصالح والبقاء للأقوى والطبيعة تؤكد ذلك، ولا ينبغي التباكي على قرارات ترامب طالما أن العرب عربين وفلسطين فلسطينَيْن، والسودان سودانين والحبل على الجرار.