ومنذ أن تكاثر النسل البشري تكونت الطبقات الاجتماعية وظهر الصراع الطبقي وجرى الفرز الطبقي من طبقة الرأسماليين بشتى شرائحها وطبقة العمال والفلاحين والكادحين بشتى تشكلاتها أيضا ( وقد يضيف البعض حاليا طبقة الـ NGO’s وأقول أنها من البرجوازية).
منذ أن تشكلت البشرية فإن المحرك الأساسي إضافة الى المحرك الديني هو عجلة الاقتصاد التي تعتبر السياسة تعبيرا مكثفا عنها وأعتبر أنا "المهلوس" أن الحرب ما هي سوى تعبير مكثف عن السياسة.
في كافة المجتمعات هناك سلطة وهناك معارضة، وهناك تداول سلمي أو غير سلمي للسلطة ما بين حزب السلطة وأي من أحزاب المعارضة، وفي غالبية تداول السلطة تاريخيا كان هناك إراقة الدماء الى أن بدأ يتبلور شيئا فشيئا مفهوم التداول السلمي للسلطة بين الاحزاب في البلد الواحد اللهم إلا في بلادنا العربية وقد تشكل الجزائر حاليا حالة إستثنائية إذا ما كتب لتجربتها النجاح.
لا أريد حقيقة توسيع فكرتي كثيرا، أريد أن احصرها بالقدر الذي أستطيع في دائرة الفرجار الفلسطيني ( بمصطلحاتنا الهندسية).
عندما بسطت السلطة الفلسطينية نفوذها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأذكر يوم إستقبال الزعيم الراحل ياسر عرفات في رام الله، حيث إمتشق شباب الانتفاضة الأولى السلاح وأطلقوا التحية العسكرية بالرصاص للعائدين، ذهبت فورا الى صرح الشهيد في مقبرة البيرة وقلت للشهداء ... لا ليس هذا رصاص الاحتلال .. هذه رصاصات الترحيب بالكيان الوطني الفلسطيني فاخلدوا بهدوء ولا تتحروا شوقا للعودة مجددا الى ميادين الانتفاضة والى الكر والفر ... كفيتوا ووفيتوا.
وأقول لكم ... جميعا ... بملايين المرات ومن دون أي جدال فإن سلطة الكيان الوطني هي أفضل من أي سلطة إحتلال، ولا يجب أن يترحم أي كان على تلك الأيام .. أيام الاحتلال.
يجب أن تستوعب السلطة الوطنية الفلسطينية أن تتشكل معارضة، ويجب أن تستوعب المعارضة أيضا أن الحزب الحاكم سوف "يترتح" بالسلطة.
لنبدأ أولا بالحزب الحاكم وأجهزة السلطة التي يجب عليها أن تستوعب أن المعارضة ليست متجانسة في أهدافها وغاياتها رغم أن معظم أحزاب المعارضة بالأساس يهدفون في أستراتيجياتهم الى تسلم مقاليد السلطة ومن المعروف سياسيا أن أي حزب لا يطمح الى الوصول للسلطة ليس حزبا. هناك فصائل لا ترى إلا أسلوب القوة والسلاح وسيلة تسلم السلطة عبر العقلية الانقلابية وهناك فصائل ترى أن التداول السلمي للسلطة هو الوسيلة وهناك فصائل أخرى رضيت بوضعها ولا ترى نفسها بديلا وبشكل عام فإنني أعتقد أن ما ذهب إليه الحزب الشيوعي اللبناني مطلع ثمانينات القرن المنصرم بالقول أن أزمة حركة التحرر العربية هي ليست في الفكر القومي الضيق (أيام صعود حزبي البعث العربي الاشتراكي في القطرين العراقي والسوري) وإنما أزمة في البديل الثوري هو إستقراء صحيح وتشخيص ما زال ماثلا حتى يومنا هذا.
ويحب أن تستوعب السلطة ورموزها وأجهزتها أيضا أن هناك أيضا إختلافا بين الأفراد واختلافا في توجهاتهم، فمنهم "المؤدلج" التنويري الذي يريد تطوير الاداء عند توجيه الانتقاد ومنهم "الأصولي" الإقصائي الذي يفكر بعقلية إنقلابية. وهناك – وهم الغالبية العظمى – الأفراد العاديون الذي عندما يعبرون عن وجهة نظرهم إزاء أية قضية إنما لا يطعنون في الكيان الوطني بقدر ما يستهجنون ممارسات بعض رموز الحزب الحاكم والأجهزة، فيكتبون ولشديد الأسف تكون ردة فعل السلطة أو الحزب الحاكم بتحويلهم للملاحقة القانونية بموجب قانون " الجرائم الالكترونية" أو غيرها من مواد قانون العقوبات الجزائية.
هؤلاء الأشخاص لا يعادون الكيان مطلقا، بل مفترض على الجميع أن يحملهم على الأكف، فهم يشيرون الى مواقع الخلل ولا يروا أنفسهم بأي حال من ألاحوال بديلا ولا يسعون الى ذلك وكل هدفهم أن يسير المجتمع الفلسطيني نحو " المجتمع المدني". فلا يعقل يا أفاضل أن نرى في ردهات المحكم من يقف منتظرا البت في قضية " قدح وذم وتشهير" ضده بسبب مقالة كتبها أو عمله الصحفي، وذلك لا يعني مطلقا أنني أريد أن أعطي صك براءة مسبقا لكل من يكتب دون الاستناد الى الأصول المهنية.
إن كنت أيها المسؤول في السلك الحكومي الرسمي أو من ضمن كادر الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون فعليك أن لا تعتبر نفسك أنك وزملاؤك فقط الأمناء على الكيان الوطني وما الاخرين إلا " أصحاب أجندات خارجية أو أجندات خاصة". فإذا أنتقد أحدهم خلالا في المسيرة التعليمية أو الاقتصادية أو في قطاع الصحة أو الشؤون الاجتماعية أو جاع أيها الأفاضل .. نعم جاع أو غير ذلك، فلا يعني مطلقا أن له " غاية في نفس يعقوب" أو أنه " يقول كلمة حق يراد بها باطل".... إفحصوا وعالجوا وصححوا ... فإذا توفي طفل نتيجة لخطأ طبي أو لم يحصل مريض على علاج طبي أو إنتقد أحدهم عدم وجود تدفئة في الغرف الصفية ولم تصححوا ذلك، فسيأتي يوما يصلكم الأمر " الى عقر داركم" ويتعرض أطفالكم – لا قدر الله – الى ذات الممارسة التي حاربتم وتصديتم لمن إنتقدها.
أما أنتم أيها الفصائل الفلسطينية متى عليكم أن تدركوا أن عقلية الانقلابات العسكرية كانت سمة العصور القديمة وأن التداول السلمي للسلطة هو الأطول ديمومة لكم لو إستندتم الى برامج عمل ومطالبات تحاكي حاجات المواطن والجماهير وعملتكم لأجل جموع العمال والفلاحين والكادحين وأنصفتم أسر الشهداء والجرحى وذوي الاعاقة والأسرى وطالبتم بالارتقاء بالخدمات ودافعتم على تظلمات الأفراد والجماعات وتبنيتموها.
هل أذكركم بتجربة صحيفة " الأهالي" المصرية التي كانت صفحاتها تتبنى قضايا المواطن العادي بدءا بالخبز " الطباقي" وفضيحة "شركات الريان" ثمانيات القرن المنصرم، وكيف كان المواطن المظلوم ينتظر صدور " صحيفة الأهالي " في اليوم التالي ليجد مظلمته ويجد أن هناك فريقا يتابعها من الحزب القائم على هذه الصحيفة وهو "حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي".
جماهير الشعب الفلسطيني تريد أشياء حياتية كثيرة ترسخ صمودها المقاوم على أرض الرباط فأنزعوا عنكم جميعا "فزاعة" الأمن الداخلي والأجندات الخارجية كلما حصل حراك جماهيري وركزوا جلّ جهودكم على هموم المواطن كي نفوت جميعا الفرصة على الاحتلال والإمبريالية أن كنتم لا زلتم تؤمنون بأن منظومة الامبريالية العالمية لم تندثر بإندثار الاتحاد السوفياتي وما زالت تعمل لتدمير الشعوب ومقدراتها ولن تكل جهدا في السيطرة على العالم برمته.
كلمة أخيرة .. من حق "المدام" أن تذهب الى السوق للتسوق .. ومن حق الطفلة أن تشتري لعبة " تتكلم" وتقول ما قاله الراحل يعقوب إسماعيل "أو سيدي حركش " وغناه وليد عبد السلام ..
بدنا وطن ... بدنا وطن
فش تصاريح وسجن
فش المصايب والمحن
فش دمع وجراح
فيه الحياة محررة
كحلة بعيون مسوّرة
حب وورد وافراح
بدنا وطن ... بدنا وطن
فش جيوب مكنّزة
فش الفقر قنطار
فش حدا يركب حدا
فش حدا بلا دار
بدنا وطن ... بدنا وطن
فش الرصاص
يقتل عصافير الفرح
فش البساطير
تحصد بواكير القمح
بدنا وطن ... بدنا وطن
فش خفافيش الليل
تعيش ع دم الحمام
بدنا وطن .. بدنا وطن
ينفع لأخر جيل
يبني على أرضه السلام