في الحقيقة وكما رأينا عبر السنوات لا يمكن لكيان الإحتلال أن يتنازل عن أي من مكتسباته طوعاً، لا بل إنه يزيد ويغالي في الإعتداء على حقوقنا على إختلاف أشكالها، فيقضم الأرض ويقتل الأبرياء ويأسر ويهدم ويقيد تحركاتنا !
وإذا نظرنا إلى مدى إستعدادنا لإعلان الدولة وقيامها على مختلف الصعد السياسية والإقتصادية والإجتماعية نرى أننا بحاجة للكثير من العمل أيضا لكي نصل إلى هذا الحلم .
سأتناول في هذا المقال الجانب الإقتصادي فقط لأنني أعتقد أنه قد يكون أهم مكون ومقوم لقيام الدولة.
خلال الخمس وعشرين سنة الماضية زادت المساعدات للشعب الفلسطيني وزادت الجمعيات الــ ngo وتراجعت مساهمة الصناعة في الناتج المحلي، وزاد عدد العاملين الفلسطينيين في كيان الإحتلال، وبقيت مناطقنا المحتلة السوق الأول أو " مكب النفايات " الأول لبضائع الإحتلال وارتفعت نسبة البطالة!
نحن عملياً لا ننتج، والدخل الآتي للسلطة سواء من الضرائب المحلية، أو المساعدات الخارجية يصرف بالأغلب على الموظفين، بمعنى أن هناك نقود تأتي إلى البلد على شكل مساعدات يقال أنها تسعى للتنمية، ولكنها في الحقيقة توزع كاتالي:
جزء يذهب للسلطة ويتم صرفه على الموظفين والذي يبلغ عددهم حوالي 160 الف موظف منهم حوالي 70 الف عسكري، وكما أظهرت التقارير فإن هناك ترهلاً وظيفياً كبيراً بين موظفي السلطة بمعنى أن عدد العاملين أكبر بكثير من الوظائف، أي أنه قد يكون هناك نسبة 70٪ من الموظفين ممكن أن يؤدوا العمل المطلوب، ولو أخذنا معدل رواتب لهؤلاء كمتوسط 2500 شيكل فإن عدد الموظفين الذين لا يساهمون في الإنتاج هو حوالي 48 الف موظف ويكلفون الدولة " أو يكلفوننا جميعاً " حوالي 120 مليون شيكل شهرياً!
أما العسكريين بمن فيهم المتقاعدين فإنهم يكلفوننا حوالي مليار دولار سنوياً . وبالتالي فإن فاتورة الرواتب وحدها تكلف البلد حوالي ملياري دولار سنوياً ، هذا عدا عن التحويلات الطبية للمستشفيات الإسرائيلية فإنها تصل أحياناً إلى 150 مليون دولار سنوياً، ولم نحسب بعد حساب السيارات والبنزين والإمتيازات والسفريات للمسؤولين وغيرهم.
إذا جمعنا هذه المبالغ فإن هذه البلد بحاجة إلى حوالي 2.2 مليار دولار مصاريف قبل الأكل والشرب مثلما يقولون!! والمؤلم أن هذا المبلغ داخل إلى خزينة الدولة على شكل مساعدات وخارج على شكل مصروف لا يساهم بالإنتاج ما يتسبب في إعاقة كبيرة في شكل الميزان الإقتصادي ونستطيع أن نشبه المشهد بـ " القربة المخرومة " مهما وضعت فيها من ماء فهي ذاهبة، لا تسقي زرعاً ولا تخرج ثمراً!
والجزء الآخر من هذه المساعدات يذهب للمؤسسات غير الحكومية ngo والتي تقوم بمشاريع عديدة ولكنها أيضاً لا تساهم في التنمية!! رفع الكفاءة وزيادة التشبيك والتمكين هي العناوين الرئيسية لهذه المؤسسات. طبعا هناك عدد امن هذه المؤسسات ممن ساهم في دعم صمودنا كشعب ومنها من قام بعمل تغيير حقيقي على الأرض. ولكن إن تحدثنا عن الأثر الإجمالي لهذه المؤسسات نرى أن معظم أموال الدعم تصرف على ورشات عمل ( أعتقد أننا أكثر شعب تلقى ورشات عمل في التاريخ ) وعلى سفريات للخارج وعلى مواصلات داخلية ووجبات طعام للمشاركين!
أما فيما يتعلق بالقطاع الخاص فقد يكون هو في الوقت الحالي مصدر التشغيل والإنتاج الأول في البلد فهو يشغل حوالي 65٪ من الأيدي العاملة، ولا يوجد دعم حقيقي له من قبل الحكومة لإعتقاد البعض أنه لا يحتاج للدعم ويكفيه ما لديه من أرباح ومكتسبات! قد يكون دعم المنتج الوطني والمصانع الوطنية القائمة والتي تحدت الكثير من الظروف الصعبة وما زالت تتحدى وتصمد في وجه العراقيل التي يضعها الإحتلال أمامها كل يوم من أولويات الحكومة الجديدة ، كذلك فإن الزراعة والتي هي من المكونات الأساسية للناتج المحلي والتي ممكن أن تكون مشغل رئيسي للأيدي العاملة قد تساعد في جذب عمالنا الذين يشتغلون في كيان الإحتلال.
من أجل بناء إقتصاد قوي علينا أن نشجع عوامل الإنتاج الرئيسية وهي الصناعة والزراعة والسياحة، وحتى نصل لمرحلة الدولة علينا أن نفكر في كيف سيساهم كل قرش يدخل إلينا في إنتاج قرش آخر أو قرشين أو ثلاثة، لأننا إذا استمرينا في هذه العقلية الإقتصادية الإستهلاكية الإعتمادية البحتة فإنه لن تقوم لنا قائمة لا إقتصادياً ولا سياسياً ولا إجتماعياً.
نحن بحاجة إلى تخطيط، كيف نزيد الدخل وكيف نقلل المصاريف ونبني إقتصاداً إنتاجياً وليس إستهلاكياً.
نحتاج لوزارة إقتصاد قوية ووزارة مالية حكيمة وقرارات حكومية صعبة وجادة !