اطلس- دعت الأسيرة المحررة، والقيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خالدة جرار، المجتمع الدولي إلى المسارعة في تقديم العون والإسناد لـ47 أسيرة يعانين ظروف أسر قاسية خلف ستائر العتمة في سجن الدامون الذي تم نقلهن إليه قبل أربعة أشهر كإجراء عقابيّ.
وحذرت جرار التي تم الإفراج عنها قبل أيام إثر اعتقال دام 20 شهرًا في الاعتقال الإداري، من تعرّض الأسيرات لانتهاك خصوصيتهن، ومماطلة إدارة السجن بتوفير العلاج للعديد من المريضات اللواتي يعانين ظروفًا صحية تهدد حياتهن.
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
س: حدثينا عن الأسيرات داخل سجون الاحتلال؟
ج: حينما أُطلق سراحي تركت خلفي 48 أسيرة، قبل أن يتم الإفراج مساء الاثنين، عن الأسيرة سهير البرغوثي "أم عاصف"، وبقي 47 أسيرة في داخل السجون، إن ظروف الأسيرات صعبة، وأحيانًا نشعر أن هناك محاولة من مصلحة السجون للاستفراد بالأسيرات.
لقد تم تجميع الأسيرات في سجن الدامون بعد نقلهن إليه جميعًا في 7-11-2018 من سجن "هشارون" كإجراء عقابي لـ 32 أسيرة من ذوات الأحكام العالية وأسيرات طفلات، وعدد آخر من الأسيرات.
وحينما جاءت لجنة أردان إلى سجن هشارون وقررت إعادة تشغيل الكاميرات المنصوبة في الساحة، وهو ما يعيق ويقيّد حركة الأسيرات، اعتصمت الأسيرات وامتنعن عن الخروج للساحة لمدة 63 يومًا، وكانت هناك محاولات لكسر خطوة الأسيرات، لكنهن صمدن في وجه الكاميرات، فعاقبتهن سلطات السجن بنقلهن إلى سجن الدامون.
أما بالنسبة للأسيرات الموقوفات ولم تقدم بحقهن لوائح اتهام فيتم أخذهن إلى سجن "هشارون" وهناك يتم احتجازهن بظروف سيئة، إلى أن يتم نقلهن إلى سجن الدامون بعد صدور لائحة اتهام بحقهن، وحينما يصلن إلى سجن الدامون تتحسن نفسيتهن قليلًا لوجودهن بين جميع الأسيرات وتوفير بعض الحاجيات الشخصية لهن.
س: حدثينا عن معاناة الأسيرات في سجن الدامون؟
ج: قبل نقل أسيرات "هشارون" إلى سجن الدامون، كان يتواجد في هذا السجن 18 أسيرة، والآن تم تجميع الأسيرات في قسم واحد، فظروف السجن قاسية وصعبة جدًا، وتعامل الإدارة سيء، ويتم التدخل في الحياة اليومية للأسيرات، كل شيء ممنوع، والكاميرات منتشرة في ساحة السجن، ومكتب السجانين والسجانات يشرف على الساحة مباشرة، بينما أماكن الاستحمام موجودة خارج الغرف، وهو ما يتعارض مع خصوصية الأسيرات، ما يجبرهن على الاستحمام أثناء ساعات الفورة فقط وهي أقل من الفترة التي كانت مخصصة في سجن "هشارون"، وفي الدامون يغلق القسم المخصص للأسيرات بعد الساعة الخامسة والنصف، وبالتالي لا يوجد إمكانية لاستحمام الأسيرات بعد هذا الوقت.
سجن الدامون عبارة عن مبنى قديم جدًا أنشئ منذ أيام العثمانيين وكان يُستخدم لتخزين التبغ، صحيح أنه موجود في منطقة جميلة ومطلة على منطقة الكرمل في حيفا، لكنّه مغمور ولا نستطيع رؤية أي شيء خارج أسواره، وفي داخل السجن تنتشر الرطوبة، فغرفه قديمة، والأرضيات باطون قديم متشقق، أما الخزائن فهي صغيرة جدًا ويملؤها الصدأ. بينما الكراسي الموجودة فيه فهي عبارة عن "اسكملات" وهي غير كافية إذ تستخدم كل أسيرتين واحدة، أما التلفاز المعلق في الغرفة فهو قديم ومرتفع جدًا، ويسبب للأسيرات آلامًا في الرقبة، ومشاكل في العيون، إذ إن أغلب الأسيرات لديهن مشاكل في النظر.
في السجن 13 غرفة، منها غرف كبيرة وأخرى صغيرة، كما أنه لا توجد مكتبة لدى الأسيرات، فقبل أن يتم نقل الأسيرات من "هشارون" كانت لدينا مكتبة تضم 800 كتاب كنا ندخلها مع أهالينا، وحينما تم نقل الأسيرات إلى الدامون رفضوا أن يدخلوا سوى 250 كتابًا وضعت في علب كرتونية.
في الدامون يُمنع على الأسيرات أن يجتمعن سوى في الفورة المليئة بالكاميرات ويُسمح لهن بالخروج 3 مرات فقط، أنا هنا أصف السجن وأحاول وصف الظروف التي أصبحت أسوأ من الظروف السابقة، لكن السجون كلها واحدة وفيها الكثير من المعاناة.
لدينا في السجن أمهات لديهن أطفال، ويوجد أسيرات أمهات لشهداء، واللواتي كان الاحتلال يتعمّد تكرار نقلهن عبر البوسطة بطريقة سيئة، بينما كبرت بعض الأسيرات داخل سجون الاحتلال كان آخرهن الطفلة هدية عرينات من أريحا والتي أفرج عنها بعد اعتقال دام ثلاث سنوات، أما الآن لا توجد أسيرة تحت 18 سنة.
س: هل تتوفر للأسيرات فرص للتعلم؟
ج: إن سلطات الاحتلال تحاول أن تُشعر الأسيرات بقسوة السجن، كنّا نتعلم، أما الآن فتم تقييد ذلك علينا، وفي ظل الظروف الصعبة أصبحنا نجتمع في الغرف لنتعلم، ورغم ذلك هناك تدخل بخصوصيات الأسيرات، وحينما تجتمع الأسيرات في الغرفة تأتي السجانة للسؤال عن سبب التجمع.
س: حدثينا عن الإهمال والمماطلة الطبية بحق الأسيرات؟
ج: من بين الأسيرات مصابات خلال عمليات اعتقالهن وهن بحالات صعبة، بينما تبدأ معاناة الأسيرات حينما يعانين من أمراض وبحاجة لنقلهن إلى العيادات أو المستشفيات، فإن هناك مماطلة تتم من قبل إدارة مصلحة السجون لإعاقة خروجهن إلى المستشفى، يتم إعطاء الأسيرات مسكنات، وحينما يتم السماح لهن بالخروج للمستشفى تبدأ المعاناة والمماطلة لتحديد موعد لإجراء فحوص أو عمليات، كما حدث مؤخرًا مع إحدى الأسيرات والتي كانت تتقيأ كل ما تأكله، وهي بحاجة لإجراء عملية منظار، واستمرت عملية تحديد موعد المنظار لنحو سبعة أشهر!
كما أن بعض الأسيرات يتم تقييدهن أثناء الخروج بالبوسطة إلى العيادة أو المستشفى، ويتم فحصهن وهنّ مقيدات، بل إن الأسيرات حينما يتم إجراء عمليات لهن ويستيقظن يجدن أنفسهن مقيدات، وتصحو الأسيرة وهي مقيّدة ويحيط بها السجانون والسجانات، وهذا أمر نفسي شديد القسوة.
س: حدثينا عن معاناة الأسيرات خلال نقلهن عبر البوسطة؟
ج: تشكل البوسطة أصعب معاناة للأسيرات، فهي وسيلة النقل لمتوفرة من المحكمة إلى السجن أو إلى المستشفيات وبالعكس، وحينما كنّا في سجن "هشارون" كانت عملية نقلنا بالبوسطة إلى عوفر تستغرق ساعات طويلة ربما ست ساعات، وندخل المحكمة ونحن مقيّدات إلى زنزانة المحكمة وهي باردة جدًا، وكل هذا الوقت من أجل أن نقف أمام المحكمة لمدة 3 دقائق.
بينما هناك معاناة أخرى حينما تذهب الأسيرات إلى محكمة سالم، فقد كن يخرجن قبل موعد المحكمة بيوم، ويتم احتجازهن في معبار الجلمة لمدة يوم كامل، ثم تذهب الأسيرة للمحكمة وتعود لمعبار الجلمة مرة أخرى لمدة يوم، وبعد ذلك يتم إعادتها للسجن، وكل ذلك يحدث والأسيرة مقيدة، وبعض الأسيرات يتم تقييدهن بكلبشتين بادعاء أن أيديهن صغيرة!
والمعبار عبارة عن غرفة باردة جدًا فيها سرير وبطانية وفرشة فالانتقال بالبوسطة قطعة من العذاب، وهو ما عانت منه والدة الشهيد أشرف نعالوة. إن الأسيرات يرفضن ما يجري بحقهن، وقمن بخطوات احتجاجية، قبل أن يتم الإفراج عني من سجن الدامون فقد أعلنت إدارة السجن أنها ستلغي الخروج بالبوسطة إلى معبار الجلمة وستخرج الأسيرة من السجن إلى المحكمة وتعود مرة أخرى للسجن بذات اليوم، لكن بعد معاناة ووقت طويلين، ولا أعرف إن تم ذلك أم لا.
س: ما الرسالة التي تودين توجيهها في يوم المرأة العالمي؟
ج: في البداية أوجه تحياتي لكل نساء العالم في هذا اليوم، وأخص كل المناضلات في العالم لأن النضال موجود في كل مكان، وأحب أن أخصّ الأسيرات الفلسطينيات، واللواتي يحيين هذه المناسبة داخل السجن.
إن استمرار اعتقال الأسيرات الفلسطينيات في ظروف حياتية ويومية صعبة وقاسية في القرن 21 وفي يوم المرأة العالمي، يحفّز على ضرورة إيلاء الاهتمام الكبير لهن، فالعنف الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية سواء عنف الاحتلال وإجراءاته أولًا، أو عنف المجتمع تجاهها يجب أن يتوقف، ونتمنى أن يكون يوم المرأة مناسبة لتطوير قوانين وتشريعات فلسطينية تحمي نساءنا وتلغي أشكال التمييز الموجودة بحقهن.
س: كيف تلقت الأسيرات قرار السطو الإسرائيلي على أموال الأسرى؟
ج: طبعًا الأسيرات يرفضن هذا الابتزاز، وهن ينظرن إليه كابتزاز سياسي، وجزء من حملة مبرمجة تستهدف الأسرى داخل سجون الاحتلال وتصويرهم بأنهم إرهابيون، وأن أي إجراء بحقهم عبر خصم مخصصاتهم هو بمثابة قرصنة لأموال الشعب الفلسطيني، إن الأسيرات يرفضن محاولة الاحتلال فرض مزيد من الإجراءات على شعبنا وأسرانا وأسيراتنا، وهذه الإجراءات تأتي بغرض الابتزاز.
س: في يوم المرأة العالمي ما الرسالة التي تودين توجيهها للمجتمع الدولي؟
ج: رسالتنا للعالم بنشاطائه وحكوماته وللمجتمع الدولي أن كفى صمتًا، فالتغني الدائم بحقوق الإنسان، واحترام الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية سيداو والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا معنى له طالما أن المرأة الفلسطينية لا تحظى بالحماية وبالحقوق التي نصت عليها تلك الاتفاقيات.
المرأة الفلسطينية لسان حالها يقول إنه يجب أن يكون هناك فعل جدي لجعل هذه الاتفاقيات نافذة، وأن فعل الاحتلال بانتهاك هذه الاتفاقيات يستوجب إجراءات ومحاكمات، ونرى أن التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية هو فعل صحيح يجب أن يستمر، باتجاه اتخاذ خطوات وإجراءات لمحاسبة الاحتلال كمجرم حرب.
س: أخيرًا، ما المطلوب عمله لمساندة الأسيرات؟
ج: مطلوب تفعيل الدور الشعبي أكثر وتطويره، وشرح معاناة الأسيرات، والتي هي جزء من معاناة كل أسرانا، نتوقّع أن نرى مزيدًا من تفعيل الدور الشعبي لأن الأسيرات يُراهنَّ على هذا الدور في إسنادهن وتقديم الدعم لقضيتهن وتطوير هذا الفعل وتنسيقه أيضًا مع النضال العالمي لنساء العالم من أجل أسيراتنا، لأن المطلب النهائي والأساسي هو الحرية.
يوميات العذاب خلف ستائر العتمة في "الدامون"!
تم اعتقال أكثر من 16 ألف امرأة منذ العام 1967 ويمارس بحق الأسيرات أقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، إذ يتعرضن بين الحين والآخر إلى اعتداءات وحشية سواء بالإيذاء اللفظي الخادش للحياء أو الاعتداء الجسدي خلال الاعتقال والتحقيق معهن ومن قبل قوات النحشون ومن قبل السجينات الجنائيات الإسرائيليات.
وتتعرض المعتقلات لاعتداءات وحشية أمام ذويهن من أطفال ورجال، ومنهن من عايشن ظروف تحقيق جسدية ونفسية قاسية.
47 أسيرة يقبعن حاليًا في سجن "الدامون"، من بينهن 20 أسيرة من الأمهات، و6 أسيرات مصابات بالرصاص خلال عمليات الاعتقال، ونصف العدد الإجمالي من الأسيرات صدر بحقهن أحكامًا متفاوتة وصل أعلاها إلى 16 عامًا، والنصف الآخر لا زال قيد التوقيف.
تعاني الأسيرات من سياسة الإهمال الطبي المتعمد سواء للحالات المرضية أو الجريحات اللواتي أصبن بالرصاص وتشتكي الأسيرات منذ سنوات طويلة من عدم وجود طبيبة نسائية في عيادة السجون لرعاية الأسيرات، وعدم صرف أدوية مناسبة للحالات المرضية بينهن.
وتعتبر الأسيرة إسراء الجعابيص من أصعب الحالات بين الأسيرات والتي تحتاج إلى عمليات جراحية عاجلة بعد إصابتها بحروق شديدة أثناء الاعتقال إذ تم بتر 8 من أصابعها، بينما يماطل الاحتلال في إجراء العمليات اللازمة لها.
يتم احتجاز الأسيرات في أماكن مخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية واتفاقية جنيف الرابعة التي نصت المادة 85 منهاعلى أنه يجب توفير بيئة صحية مناسبة للأسرى والأسيرات.
خالدة جرار اسم دائم في الأخبار
اسمها خالدة كنعان محمد الرطروط، وحملت اسم عائلة زوجها بعد اقترانها به عام 1984، تنحدر عائلتها من مدينة بيسان، وقد ولدت في مدينة نابلس عام 1963، أنهت دراستها الثانوية في مدارس نابلس، ونالت درجة البكالوريوس في تخصص إدارة الأعمال من جامعة بيرزيت عام 1985.
ونالت درجة الماجستير من جامعة بيرزيت في الديمقراطية وحقوق الإنسان وهي حاصلة على دبلوم عال في إدارة المؤسسات. تسكن مدينة رام الله وهي متزوجة من السيد غسان جرار ولديها ابنتان يافا (حاصلة على درجة الدكتوراة في القانون من كندا)، وسهى (حاصلة على درجة ماجستير في البيئة والمرأة). وتوفي والدها وهي في السجن في اعتقالها الأخير.
عضو في المجلسين الوطني والمركزي، ونائبة بالمجلس التشريعي المنتخب قبل حله. إضافة إلى عضويتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مثّلت كتلة الشهيد أبو علي مصطفى في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006.
اعتقلت لأول مرة عام 1989 لمدة شهر حينما كانت تنظم فعالية خاصة بيوم المرأة العالمي، واعتقلت في 2-4-2015 لمدة 15 شهرًا في السجن، وأعيد اعتقالها بعد عام من الإفراج عنها في 2-7-2017 وأمضت 20 شهرًا في الاعتقال الإداري لمدة أربع مرات منها 3 مرات تجديد اعتقال إداري، وأفرج عنها في 28-2-2019.
شغلت جرار منصب رئيسة لجنة الأسرى في المجلس التشريعي. ومثلت فلسطين في قمم حقوق الإنسان في فرنسا واليونان. كما شغلت منصب مديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان قبل ما يتم انتخابها عضوا في التشريعي.