وقد عدّل ترامب حديثه في السابع من كانون الثاني حول كلمة "الآن" واستبدالها ب "الرحيل بالسرعة المناسبة بينما يستمر في نفس الوقت في محاربة داعش"، رغم أنه ادعى أنه لا يختلف عما قاله من قبل.
وبين هذين التصريحين، استقال وزير دفاعه جيمس ماتيس والمبعوث الأمريكي الخاص حول محاربة داعش، بريت ماكجورك. وانتقد كبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين علانية الانسحاب المفاجئ للجنود الأمريكان من سوريا.
وأضاف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو "أنه لا يوجد أي تغيير في التزامنا بهزيمة الخلافة الإسلامية أو داعش على مستوى العالم" ، لكنه أكد أيضا أنه يمكن القيام بذلك دون الحاجة لوجود 2000 جندي أمريكي يدعمون الأكراد حالياً الذين يقودون القوات السورية الديمقراطية في شمال شرق سوريا.
ومن جانبها، تشير وزارة الدفاع الأمريكية أن الانسحاب يعتمد على الشروط ولا يخضع "لجدول زمني تعسفي".
ستركز هذه المقالة على محاولة إلهام السياسة الأمريكية في تدخلها بشأن سوريا. ولكن من الأفضل أن نسأل ما إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية، قد هزم أم لا.
بالتأكيد، يعكس موقع داعش الحالي ما كانت عليه بالسابق أثناء نشوءها وذروتها، عندما كانت تسيطر على مساحة بحجم هنغاريا. لكنها أبعد ما تكون عن الهزيمة، سواء كقوة قتالية محاربة أو عقيدة.
فهناك دلائل تشير إلى أنه يتم تجديد هذه السيطرة في العراق. وقدر تقرير للأمم المتحدة في آب أن حوالي 20 إلى 30 ألف من مقاتلي داعش ما زالوا طلقاء في سوريا والعراق.
إضافة إلى ذلك، لم يبدي أي طرف من تنظيم داعش، من غرب إفريقيا إلى إندونيسيا، أي علامة على انتهاء دورهم.
معقل حجين
ما زال عدة مئات من مقاتلي داعش يسيطرون على الأراضي على طول الحدود السورية العراقية. ومؤخراً تم جرح جنديين بريطانيين جراء هجوم صاروخي أو قذائف صاروخية خلال اشتباكات في "معقل حجين"، وهي منطقة تبلغ مساحتها نحو 20 كيلومتر مربع، حيث ساعدت الكهوف والأنفاق مقاتلي داعش من البقاء.
كما قاتلت القوات الكردية بدعم من القوات الخاصة والغارات الجوية الغربية للقضاء على وجود داعش في بلدة حجين لعدة أشهر. وفي الفترة ما بين 9 و 15 من كانون الأول، شنّ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة 208 غارات جوية ضد داعش في سوريا، والغالبية العظمى منها كانت تشنّ حول منطقة حجين.
وبالكاد توجد علامة على تراجع العمليات ضد داعش أو حتى تصفيتها في سوريا.
كما تمكّن تنظيم داعش من القيام بعمليات هجومية في الفترة الأخيرة. حيث استغلالتنظيم الأحوال الجوية السيئة لمهاجمة القوات الكردية، مما أسفر عن مقتل العشرات منهم في واحدة من الاشتباكات في تشرين الثاني، وقاموا بنشر فيديو مصورعن أولئك الذين احتجزتهم.
هناك أيضاً دلائل على أن خلايا داعش تنشط حول منطقة الرقة، عندما أعلنوا أنها عاصمتهم. وادعى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يوم الاثنين أنه مسؤول عن هجوم انتحاري في المدينة أسفر عن مقتل وإصابة عدة أشخاص.
تحسّن الوضع الأمني في العراق
هناك أيضاً مؤشرات على أن داعش يعيد تنظيم صفوفه في العراق، وإن كان بأعداد صغيرة. ويقول مسؤولون عراقيون ومحللون في مكافحة الإرهاب إن خلايا داعش تسللت إلى جبال هامرين ذات الكثافة السكانية المنخفضة جنوبي الموصل، والتي كانت آخر مدينة رئيسية في العراق تحتلها الجماعة.
لقد استغل داعش الصراع بين الحكومة في بغداد والسلطات الإقليمية الكردية وحقيقة أن المدنيين لم يعودوا إلى العديد من القرى بسبب تدهور الأمن والبنية التحتية.
لقد تحسّن الوضع الأمني في بغداد كثيراً، وتمثل ذلك بإعادة فتح المنطقة الخضراء ذات الأمن العالي في كانون الأول بعد 15 عاماً. لكن داعش، التي تعتبر المسلمين الشيعة مرتدين، قامت باستهداف أحياء شيعية بالعاصمة العراقية بالقنابل في هجمات متزامنة في تشرين الأول وتشرين الثاني.
وفي أماكن أخرى، تم اغتيال مسؤولون في الأمن في محافظة ديالى، وزعماء العشائر السنية في محافظة نينوى ونفذوا الكمائن على الطريق الرئيسي السريع الذي يربط بغداد والموصل. وتم تفجير سيارة ملغومة قرب مطعم في الموصل في نوفمبرمما أدى إلى مقتل عدة أشخاص.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، يشير نمط الضربات الجوية المتحالفة في العراق إلى أن داعش لا زالت تحتفظ بوجودها في صحاري غرب العراق.
أما بالنسبة للمال، فما زالت داعش لديها المال لشنّ هجماتها. فكان من المعتقد أنها انفقت مئات الملايين من الدولارات من عائدات النفط والضرائب التي تم تحصيلها بينما كانت تحتل أجزاء كبيرة من العراق وسوريا. وقبل وقت طويل من إعلان الخلافة، كانت داعش تدير عمليات ابتزاز متطورة في الموصل. وتأكيداً على ذلك، أخبرت أحد المصادر لسي إن إن، أن بعض من أمواله تم غسلها من خلال الشركات في تركيا.
وفي تشرين الأول، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شركة خدمات مالية مقرها العراق كانت تنقل الأموال إلى داعش، واصفة إياها بأنها جزء من "شبكة معقدة من شركات خدمات الأموال، وحوالات (شركات الصرافة غير الرسمية)، ومن ميسري التمويل الذي يدعمون الإرهاب في الشرق الأوسط ".
وفي الوقت نفسه، ألقت القوات الخاصة الكردية في العراق القبض على ثمانية رجال في غارة على شبكة مالية لتنظيم داعش في شمال العراق.
داعش في الشتات
لقد تراجع الإنجذاب حول عقيدة داعش مع خسارة الخلافة، والتي جذبت مئات المقاتلين الأجانب إلى العراق وسوريا، لكنها لم تنتهي نهائياً.
فالشركات التابعة التي تتعهد بالولاء لداعش في غرب أفريقيا وليبيا واليمن والفلبين وإندونيسيا لا تزال نشطة. ويشتبه في أن مجموعة مؤيدة لتنظيم "داعش" قصفت مجمّعاً للتسوق في الفلبين ليلة رأس السنة، وهو الهجوم الذي أودى بحياة شخصين.
قد لا يتمكن تنظيم داعش من توجيه هجمات في أوروبا بعد الآن، لكن الأفراد المتطرفين ما زالوا يطمحون لتنفيذ هجمات باسمها. وكان شريف شيكات، الذي قتل خمسة أشخاص في ستراسبورغ في كانون الأول قد سجل شريط فيديو لدعم داعش قبل إطلاق النار عليه. علماً أنه كان مسجوناً على تهمة التطرف قبل ذلك وموجوداً على قائمة المراقبة الأمنية الفرنسية. لكن شريف هو واحد من 29 ألف اَخرين.
ووفقاً للمحللين الأمنيين في موقع غلوبسيك، فإن 97% من الجهاديين المسؤولين عن الهجمات الإرهابية في فرنسا منذ عام 2012 كانوا معروفين على خلفية التطرف أو الشرطة.
لكن مهمة تعقب المتشددين الذين ينتقلون من مرحلة الكلام إلى التنفيذ تتجاوز عمل الأجهزة الأمنية سواء في فرنسا أو في أي مكان. وإذا أظهر تنظيم الدولة الإسلامية تعافيه على الرغم من الجهود الدولية لتدميره فإن نداءه إلى المقاتلين المحتملين خارج الشرق الأوسط قد ينمو مرة أخرى.
رؤية نحو المستقبل
يشير الوضع الحالي في سوريا والعراق بأن تعافي تنظيم داعش قد بدأ. فناك منطقةشاسعة من الأراضي على جانبي حدودها تفتقر إلى الحكم والأمن. أما المناطق الريفية والبعيدة، فهي مناطق مثالية للتمرد خاصة لتنظيم منظم مثل داعش.
ويرى السيد حسن حسن، الذي تابع تطور التنظيم وشارك في تأليف كتاب "داعش:من داخل جيش الإرهاب"، أن استراتيجية الجماعة تتمثل في "الصحراء، الصحوات، الصولات" وهي عبارة عن كلمات عربية ترتبط ببيئة الصحراء، كما تتمثل استراتيجة داعش في المعارضين من داخل جماعة السنة، وهجمات الكر والفر.
كما أشار الكتاب إلى أن جذور المجموعة هي ريفية بالأصل، فإن التمركز بالمدن لا علاقة له بوجودها.
لقد ركزت داعش على مهاجمة "المتعاونين" من السنة لأكثر من عقد من الزمن، وتقوم الآن بنصب الكمائن و"نقاط التفتيش المحلقة " في العراق لجعل وجودها بارزاً.
وقد تكون الحملات التعسفية من قبل الدولة لمعاقبة المتعاطفين مع داعش هي حملات مزعومة. فقد أظهر بحث جديد من قبل "كريستين كاو ومارا ريفكين" من جامعة غوتنبرغ أن هذه "العدالة المنتصرة" المتشددة قد تدفع بعض السكان السنة إلى أحتضان داعش.
إن الانسحاب الأمريكي من سوريا والتحالف من أجل هزيمة داعش سوف ينهار بسرعة من غير وجود صفقة بين الأكراد والنظام السوري وبدون ضمانات من تركيا بأنها لن تهاجم الأكراد، التي تعتبرها جماعة إرهابية.
الفكرة القائلة بأن تركيا ستستغل الوضع ضد داعش هي غير واقعي: فتركيا تفتقر القدرة للوصول إلى المناطق التي لا يزال داعش نشطاً فيها. ومهما كانت الضمانات التي قد تقدمها، فإن هدف أنقرة الرئيسي داخل سوريا لن يكون تنظيم داعش، بل الأكراد.
وكما كتب حسن حسن، إذا كانت الولايات المتحدة "تغادر ببساطة من سوريا، فمن شبه المؤكد أن تشتد الحروب الجديدة بين تركيا ووحدات حماية الشعب وبين العرب والأكراد وبين المعارضة ووحدات حماية الشعب."
وهذا من شأنه أن يتناسب مع الحفاظ على وجود داعش بشكل جيد في المنطقة.
المصدر: CNN
ترجمة: الاء راضي