اطلس- من أكثر، وربما أكثر، ما «يلفت النظر» ويسترعي الانتباه في مسار المصالحة حتى الآن،
هو موقف حركة حماس شديد التأكيد على عزمها إنهاء الانقسام «حتى ولو من طرف واحد». خصوصا وان «حماس» كانت صاحبة الانقلاب وبادئة الانقسام.
يبدو ذلك واضحا في تعاطيها مع ملفات المصالحة بشكل عام، وهو تعاط يختلف كثيرا في إيجابيته وحتى في لغته وتعبيراته عما ساد مسلكيتها في السنوات العشر الاخيرة. كما يبدو واضحا وفي تصريحات بعض قادتها بالذات يحيى السنوار وصالح العاروري وحسام بدران، ومعهم كما هو واضح قائد كتائب القسام « محمد الضيف « الذي يكثر السنوار بالذات الاستشهاد به والضرب بسيفه.
وقد وصلت تلك التصريحات درجة التهديد بدق عنق من يقاوم المصالحة، والى التهديد برفع الغطاء الحركي عن اي عضو في الحركة يعرقل المصالحة، بما يؤشر الى وجود معارضة داخلية في «حماس» بغض النظر عن درجتها واتساعها، تظهر في تعاطي ومواقف وتصريحات بعض رموزها.
وجود هذه المعارضة شيء طبيعي ويجب توقعه، فما هو مطلوب من حماس اذا ما التزمت بكل متطلبات المصالحة حتى النهاية، يقترب من الانقلاب على واقع استمرت تعيشه لأكثر من عشر سنوات بسطت خلالها سيطرتها المطلقة وحكمها المنفرد على قطاع غزة.
القيادي الحمساوي حسام بدران، وفي مقابله مع صحيفة الحياة، قدم أول تفسير منطقي لما «يلفت النظر» المشار إليه، حين قال « كما ان لدينا قيادة جديدة في حركة حماس فازت في الانتخابات الأخيرة، ولم تكن جزءاً من الانقسام، لدينا نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري ورئيس مكتب الحركة في غزة يحيى السنوار وانا مسؤول الملف (المصالحة). ثلاثتنا كنا في السجن اثناء الانقسام. وابلغنا وفد حركة فتح اننا لم نكن جزءا من الانقسام».
وفي قول آخر لنفس القيادي «إن قيادة حماس الجديدة تستند الى أسرى محررين( صفقة شاليت) والتي لم تشارك في الانقسام الداخلي هي التي قررت ان تنهي بكل ثمن هذا الانقسام».
يمكن للبعض قراءة هذا التفسير كاعتذار عن الانقسام وتنصل من المسؤولية عنه. وبغض النظر عن صحة قراءة هذا القول كاعتذار، وعن درجة دقة كلماته وما حملته من معان، فانه يعيد ما «يلفت النظر» الى المؤتمر الأخير لحركة حماس ونتائجه.
اصبح معلوما ومعلنا، ان المؤتمر خرج، من بين نتائج اخرى، بثلاث نتائج أساسية:
الاولى، وثيقة سياسية برنامجية فيها افتراقات هامه عن المواقف القصووية التي كانت مكرسة في ميثاق الحركة السابق.
والثانية، مع الإبقاء على الصلة التنظيمية مع حركة الإخوان المسلمين، فقد اقر المؤتمر علاقة اكثر تحررا معها لجهة الارتباط التنظيمي والبرنامجي، باتجاه ولصالح أولوية القضايا والعلاقات الوطنية وضروراتهما.
والثالثة، وبتوافق وانسجام مع الاولى والثانية، نجح المؤتمر في إحداث تجديد في أوضاعه وترتيباته التنظيمية وأولوياتها، كان التجديد في هيئاته القيادية الأولى اهم عناوينه. خصوصا وان التجديد جاء لصالح قيادات شابة تبلورت وانصقلت تجربتها النضالية ومنهجها الفكري والسياسي في مناخ المقاومة المسلحة وكتائب القسام، وعبر نضالات الأسر في سجون الاحتلال والحركة الأسيرة، فجاءت اكثر انشداداً الى الوطني، واكثر واقعية سياسية.
والمهم كما يبدو، ان هذه القيادة الشابة الجديدة تقود بنسبة عالية صناعة قرار الحركة وتقرير سياساتها ومواقفها.
النتائج الثلاث المذكورة هي الاساس الذي قام عليه، اتجاه «حماس» لتجليس علاقاتها السياسية والتحالفية في المنطقة، وبشكل خاص مع مصر، وهو ما بادرت اليه وحققت فيه نجاحا ملحوظا. وهو ما يقوم عليه تحركها لتجليس علاقاتها مع سورية.
والنتائج الثلاث هي ايضا، ما يقوم عليه ما «يلفت النظر» في توجهها نحو المصالحة الوطنية الفلسطينية، لتكون بوابة عبورها للمشاركة، كمكون اصيل، في النظام السياسي الفلسطيني بكل تشكيلاته (المنظمة، السلطة، وتعبيراتهما والبرنامج) .
يترافق مع هذا التوجه والعبور، طموح لا ينقصه الوضوح ولا الصراحة.
يؤكد هذا الطموح، خطاب القيادي الحمساوي خليل الحية عن توجه حماس الجدي للمشاركة في كل الانتخابات الفلسطينية بما فيها الانتخابات الرئاسية.
ويؤكده أيضاً خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس في كلمته التي ألقاها من الدوحة في «مؤتمر الأمن القومي الفلسطيني» بداية الشهر الحالي.
في كلمته تلك، انتقد الاخ مشعل بشدة « التراجع في دور ومشاركة الشتات الفلسطيني وحمّل مسؤولية ذلك الى القيادة الفلسطينية «حين اختزلت القضية في الضفة والقطاع». وانتقد وجود السلطة وعدم جدواها تحت الاحتلال الإسرائيلي، مشدداً على انه «لا دولة ولا سلطة ولا سيادة الا بعد التحرير، والّا تصبح السلطة عبئا كما هي اليوم». وقدم تصوراً للنهوض بالمشروع الوطني واعتبر «اننا في حاجة الى برنامج مكثف وعاجل ....» و «نريد قيادة وحكومة ومجلساً وطنياً ومؤسسات واحدة وبرلماناً ورئيساً واحداً ....».
الكلمة بشكل عام بدت كبرنامج انتخابي يقدمه الأخ مشعل يبدأ من الصفر وكـأنه لا وجود لبرامج، وجاء في وقت يتجدد فيه الحديث الذي شاع وانتشر خلال وبُعيد اتفاق 2011 عن الطموح لوصوله، او إيصاله، الى رئاسة منظمة التحرير. فيما اطلق هو عليه حينها «الولادة الثالثة للمنظمة» ( الولادة الأولى الشقيري والثانية عرفات والثالثة مشعل).
لا شيء غير عادي في هذا الطموح، طالما جاء بالطرق السلمية الديمقراطية، في إطار منظمة التحرير ووفق إرادة أهل الوطن عبر انتخابات عامة ونزيهة، وتشمل القدس.
هل يستمر زخم اندفاعة «حماس» بقيادتها الجديدة، حتى مع بروز الصعوبات والعقبات؟ وهل ستستمر مستعدة، وقادرة في نفس الوقت، على تقديم استحقاقات المصالحة المطلوبة؟.