اطلس-مع تصويت اكثر من 90% من الأكراد في أفليم كردستان العراق بنعم للاستقلال أو من أجل الانفصال عن الدوله الأم " العراق"
خلال الاسبوع الماضي، ومع اشتداد الجدل وربما الصراع العنيف حول إجراء استفتاء "كتالونيا" هذه الايام، من أجل التصويت على الانفصال عن الدوله الأم " اسبانيا"، ومع احتمال ألعودة مرة اخرى لإجراء الاستفتاء في اسكتلندا من أجل الاستقلال أو الانفصال عن بريطانيا، تزداد وتيرة النزاعات للجوء للاستفتاء من أجل الاستقلال عند قوميات عديده في مختلف أنحاء العالم.
والمتتبع لهذه التطورات من الممكن أن يستنتج أن دوافع هذه الاستفتاءات تنبع من عدة أسباب، لعل من أهمها زيادة وتيرة الشعور الوطني عند قوميات تحس أن حقوقها مهضومه أو ناقصه وأن هناك ظلماً قد وقع عليها، وبأن ثرواتها الطبيعيه وغيرها من الخيرات التي تحويها مناطقها، يتم استغلالها من خلال أطراف اخرى تتمثل في الإطار الأكبر للدوله، وهذا ما هو واضح في حالة الاكراد في العراق، ومثال "الكتالان" في اسبانيا، وحالة الاسكتلنديين في بريطانيا، وغير ذلك من الحالات في اوروبا وافريقيا واسيا.
وعلى ذكر الحالة الاسكتلندية مثلا، والدعوات ألمتصاعدة لاجراء استفتاء جديد للانفصال عن بريطانيا، وبالاخص بعد قرار البريطانيين ومن خلال اغلبيه "الانجليز" أي الذين يقطنون في مقاطعة "انجلترا" بالانفصال أو بالخروج من الاتحاد الاوروبي، بينما صوت غالبية الاسكتلندين على بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الاوروبي، حيث ما زال العديد من الناس يخلطون بين بريطانيا وانجلترا، أي لا يعتقدون ان هناك فرقاً بينهما، وهذا خطأ فظيع، وبالاخص بحق اسكتلندا والاسكتلنديين، حيث الشعور القومي أو الوطني الكبير عند الاسكتلنديين، والذي يمكن ان يصل ولحد ما الى الكراهية أو الى حد النفور من الانجليز، وبالاخص عند الجيل الشاب أو الجيل الجديد في اسكتلندا، الذين يعتقدون أن الانجليز يأخذون من ثرواتهم الطبيعية ومنها النفط في بحر الشمال، اكثر مما يحصلون عليه من هذه الثروات.
والاستفتاء مجدداً على الاستقلال لاسكتلندا، هو ما يؤيده الحزب القومي الاسكتلندي، وهو حزب الشباب بشكل عام، حيث أن هناك نزعة قومية جارفة عند الاسكتلنديين، سواء من حيث خصوصيتهم أو من ناحية ثقافتهم أو توجهاتهم أو التاريخ والحضارة، ومن يعارض استقلال اسكتلندا، هو حزب المحافظين الحاكم، وهو لا يتمتع بشعبية تذكر في اسكتلندا.
ورغم ان عمر الاتحاد البريطاني يزيد عن ال 300 عام، إلا ان الشعور الوطني القوي عند الاسكتلنديين قد تأصل على مر الأوقات والأزمنة، وقد تم ترجمة ذلك في نواح كثيرة، منها السياسية والثقافية والقانونية، وحتى الاختلاف حول النظرة أو الموقف من القضية الفلسطينية، وهذا ولحد ما يتناقض مع المواقف البريطانية الرسمية، والتي تتلاقى أو تتماشى أو تكمل بشكل عام المواقف الامريكية، وهناك العديد من المدن والجامعات والهيئات في اسكتلندا ارتبطت أو ترتبط بتوأمة أو باتفاقيات أو بروتوكولات تعاون مع المدن والجامعات والمؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، أي بمعنى تأييد كبير وراسخ للفلسطينيين وللموقف الفلسطيني في اسكتلندا.
وفي اسكتلندا، هناك شعور قوي بالنقمة على الانجليز، للاعتقاد ان الانجليز وبسبب اغلبيتهم، فانهم يتحكمون في مقدراتهم الاقتصادية، وفي فرض التوجهات السياسية الخارجية عليهم، وبأن وجودهم ضمن الاتحاد مع انجلترا، هو تهميش لهم ولحضارتهم ولتاريخهم ولشعورهم نحو الكثير من القضايا الداخلية والخارجية، وهذا الشعور هو الذي ادى الى النمو القوي والواسع والسريع للحزب القومي الاسكتلندي، والذي يدعو أو يسعى مجددا الى الاستقلال من خلال الاستفتاء.
والاسكتلنديون مثلا كقومية، يتفاخرون بالكثير من العلماء ومن المخترعين والمفكرين، الذي اصولهم اسكتلندية، والذين قاموا بذلك سواء في اسكتلندا، أو مناطق اخرى في العالم، سواء اكان ذلك في مجال الطب أو في الكيمياء او الطاقة أو التكنولوجيا وغير ذلك، وحتى في مجال الاقتصاد، حيث ان " ادم سميث"، عالم الاقتصاد المعروف في العالم ب" أبي اقتصاد السوق" هو اسكتلندي، ورغم ان اللغة الانجليزية هي اللغة الدارجة في اسكتلندا، الا انهم يتكلمونها بلهجة غريبة وصعبه، وبالطبع لهم لغتهم الوطنية القديمة، المعروفة ب " الكيلك" والتي بدأت تنتعش وتأخذ زخما قويا حديثا.
وعلى صعيد الاستفتاء والاستقلال والمصالح الاقتصاديه، فأنه من المعروف ان معظم النفط الذي يتم انتاجه في بريطانيا، ياتي من المناطق الاسكتلندية، أي من بحر الشمال، وحسب الاسكتلنديين، فـان هذا من المفترض ان يعتبر احد الدعائم الاقتصادية لدولتهم القادمة، هذا ان ولدت، وبالاضافة الى النفط، فأن اسكتلندا تشكل عمقا جغرافيا واستراتيجيا لبريطانيا، ويمكن تصور مدى ضعف الدولة البريطانية الجديدة، ان قرر الشعب في اسكتلندا الانفصال، وهذا الضعف من المتوقع ان يتجلى على الصعيد الداخلي، وفي اوروبا، وعلى صعيد السياسة الخارجية وعلى صعيد التأثير على الساحة الدولية.
ومع تراكم زخم التوجه الى الاستفتاء من أجل الانفصال أو من أجل الحصول على الاستقلال عند العديد من القوميات في العالم، وسواء كانت نتيجة هذه الاستفتاءات بالايجاب أو بالسلب، أو تمخضت عن الاستقلال أو لم يتم الانفصال نتيجة الاستفتاء لاسباب كثيره، الا ان هذه القوميات التي تسعى الى الاستقلال، سوف تبقى مختلفه عن بقية الدوله الأم، سواء اكان هذا الاختلاف في الثقاف أوفي الامتداد الحضاري والتاريخي، أو في النظرة الى العالم والى مبادئ العدالة وحقوق الانسان، وبالتالي فأن المنحى الطبيعي للشعور القومي المتنامي عند هذه القوميات هو الحصول على الاستقلال، كما تم عند البعض، وأن لم يكن غير ممكن الآن، فسوف يكون بعد فتره، مثل حالات الأكراد والكتالان وغيرهما.
بقلم : عقل أبو قرع