اطلس- عندما ينتفض الإسرائيليون، سواء كانوا من النخبة السياسية الحاكمة أو من النخبة المثقفة والإعلام دعما لحق الشعب الكردي
في تقرير المصير ومساندة مسعى السلطة الكردية الحاكمة في إقليم «كردستان العراق» وعلى رأسها مسعود برزاني رئيس الإقليم لإجراء استفتاء شعبي يوم 25 ايلول المقبل حول «استقلال الإقليم» عن العراق، وأيضاً مساندة مسعى أكراد سوريا لتأسيس «إقليم حكم ذاتي» في الشمال السوري بدعم وتدبير أمريكي فإن هذا الموقف لا يفضح فقط المخطط الإسرائيلي لإعادة تقسيم وتفتيت الدول العربية إلى دويلات وكيانات هشة عرقية ودينية وطائفية تسهل قيادتها والسيطرة عليها لتأمين وجود وبقاء الكيان الصهيوني الذي يدركون أنه مهدد ومعرض للخطر في ظل وجود دول عربية كبيرة وقوية، لكنه، وهذا هو الأهم، يضع هذا الكيان وقياداته أمام المحاسبة القوية على كل الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والإقرار بحقوقه المشروعة الأخرى التي أقرها القانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة والكثير من المنظمات الدولية والإقليمية وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحقه في العودة، وحقه في المقاومة وتقرير المصير. قد يتفق البعض أو يختلفون حول المسعى الكردي للانفصال عن العراق، ومسعى أكراد سوريا هم أيضاً للانفصال عبر إقامة الفيدرالية الكردية في شمال سوريا كخطوة أولى، لكن الأمر الذي لا يمكن الاختلاف حوله هو حقوق الشعب الفلسطيني وبالذات حقه في تقرير المصير وحقه في المقاومة للحصول على حقوقه المشروعة، وهي كلها حقوق ينكرها الإسرائيليون ويرفضون القبول بها ويقاتلون من أجل طمسها وتغييبها ويسعون لاختلاق حقائق مزيفة والترويج لرواية وخطاب سياسي مزيفين على أطلال الرواية الفلسطينية والخطاب السياسي الفلسطيني يقدمون من خلالهما أكاذيب حول ما يعتبرونه «حرب الاستقلال» أي الحرب الإجرامية على فلسطين عام 1948، ويبررون احتلالهم لأراض فلسطينية وعربية أخرى بعدوانهم الإجرامي عام 1967، وهم الآن يقومون بتفريغ الأرض الفلسطينية من شعبها عبر سلسلة من القوانين والإجراءات الإدارية لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على أرض فلسطين وإقامة إسرائيل دولة يهودية .
ويطالبون الدول العربية بالعمل من أجل إيجاد «وطن بديل» للفلسطينيين، ويروجون لـ «مشروع سلام» يتجاوز الحقوق الفلسطينية ويهدف بالأساس إلى تشكيل تحالف إسرائيلي مع من تعتبرهم إسرائيل «دولاً سُنية معتدلة» يعمل ضد أعداء مشتركين: إيران والإرهاب. وعندما ينشر كاتب إسرائيلي مثل «تسفى برئيل» مقالاً في صحيفة «هآرتس» تحت عنوان: «هل يحق لأحد أن يمنع الأكراد من إقامة دولة خاصة بهم؟» فإنه يضع الفكر الإسرائيلي كله أمام مأزق تاريخي. إذ كيف يتسنى للإسرائيليين الدفاع عن حق الأكراد في العراق أو في سوريا (لا يتحدثون عن حقوق الأكراد في إيران وتركيا) وهم ينكرون حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وفي تحرير أرضه، والمقاومة من أجل استرداد هذه الأرض؟!.
هذه سقطة هائلة تغافل عنها، بكل أسف الإعلام العربي، فليست هناك أية وجوه للمقارنة بين المسعى الكردي لتقرير المصير والانفصال عن العراق أو عن سوريا وإقامة دولة كردية في العراق وأخرى في سوريا، وبين حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحقه في المقاومة.
المسعى الكردي هدفه إقامة دولة قائمة افتراضاً عن «النقاء العنصري»، وهذا أمر مذموم الآن في السياسة الدولية. فالدول تقوم على التعددية والتعايش. ليست هناك في العالم دولة تقوم على النقاء العنصري علاوة على أن المطالبة بحق تقرير المصير للأكراد الذي يدعمه الإسرائيليون ويروجون له هو دعوة لتفكيك دول قائمة بذاتها أيا ما كانت أسباب هذا التفكيك. أما الدعوة إلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني فهي دعوة للتحرر والاستقلال الوطني أقرها القانون الدولي وصدرت بشأنها قرارات من الشرعية الدولية تحارب إسرائيل من أجل طمسها وتشاركها للأسف دول عربية وإعلام عربي من خلال مخطط «التجهيل والتشويه» لزعزعة اليقين العربي والدولي، الشعبي بالأساس، في هذه الحقوق، تمهيداً لإسقاطها عمليا وفرض المشروع الإسرائيلي والرواية الإسرائيلية المزيفة للصراع في فلسطين على أنه تحرير لأرض يهودية احتلها عرب، وليس قضية شعب عربي فلسطيني جرى اقتلاعه من أرضه من خلال مشروع استعمار استيطاني لإقامة كيان عنصري يهودي على أرض فلسطين.
فلسطين كانت موجودة في الخرائط والأطالس الدولية لسنوات طويلة قبل تأسيس دولة الاحتلال الصهيوني عام 1948، وقبل قرار التقسيم لعام 1947 الذي أقر بـ 48% من أرض فلسطين للشعب الفلسطيني في 29 تشرين الثاني 1947. وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من القرارات التي تؤكد حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقه في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، والحق في الاستقلال والسيادة والعودة إلى دياره وممتلكاته. فقد أكدت عشرات القرارات أن للشعب الفلسطيني حقوقاً غير قابلة للتصرف منها: أن أرض فلسطين هي وطن لكل الشعب الفلسطيني، وأن السيادة على أرض فلسطين هي ملك الشعب الفلسطيني.
وتأكيداً من الجمعية العامة للأمم المتحدة على قانونية النضال من أجل التحرر أصدرت في 18 كانون الاول 1972 قرارها الذي أكد قانونية النضال من أجل التحرر الوطني، والتمييز بين هذا النضال وظاهرة الإرهاب، فكان مضمون القرار التأكيد على الحق الثابت في تقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب الواقعة تحت الاستعمار، وتدعيم شرعية نضالها خصوصا نضال الحركات التحررية، ورسمت أهم معالم هذا النضال وأبرزها أن نضال الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية في سبيل تحقيق حقها في تقرير المصير والاستقلال هو نضال شرعي ويتفق مع مبادئ القانون الدولي. وأن أي محاولة لقمع الكفاح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولإعلان مبادئ القانون الدولي.
هذا هو الواقع الذي يهرب منه الإسرائيليون ولن يستطيعوا .. كما أنهم لن يستطيعوا الهروب من مصير لوجودهم في الاراضي المحتلة الذي يعرفونه طارئا واستثنائيا على أرض فلسطين لأنهم غرباء عن هذه الأرض التي تعرف شعبها جيدا ولا تحيد عنه، ولن ترضى بغيره بديلا طال الزمن أو قصر، وهذا هو «المأزق الاسرائيلي» الحقيقي الذي يؤكده تفاقم ظاهرة «النزوح» من إسرائيل إلى الخارج التي باتت تهدد ليس فقط الأمن بل الوجود الإسرائيلي كله.
....عن «الاهرام» المصرية