اطلس-سألني صديق لا يتابع الشعر ولا يتعاطى موبقة الأدب، ما سبب عظمة محمود درويش شعريا ! قلت إنه شاعر مزاجه شعر المتنبي وامرؤ القيس والسياب
لكن بأناقة كونية كمظهره البراق المتهندم دوما كعريس على وشك الصعود الى مقعده الى جانب مقعد عروس فارغ يضع فيه من يريد، فتارة يضع الوطن وتارة انثى من ورد وتارة قارئا عاديا .
تواضع محمود الفطري لم يجبره يوما على التواضع والخنوع الإجباريين، ظل مرفوع الهامة حتى عندما يحني عنقه ويتأمل، وكان قريبا من الاقلام الشابة يتابعها عن كثب في صفحات خواطر القراء وكثيرا ما صادفته يتابع انتاج القراء في الصحف في مكتبه في مركز السكاكيني ويقول ان لديهم افكارا شعرية جديرة بالاهتمام .
كان الوجه الآخر المثقف الكوني للقضية ووجها الآخر الثائر ابو عمار. هكذا كان الدرويش في ملكوته الشعري هادئا منعزلا يحب التأمل يكتب فجرا ويعيد كتابة القصيدة ست مرات احيانا كما قال لي ثم يخمرها ستة اشهر على الورق وتظل تحلق في مخيلته فيغير سطرا او كلمة قبل ان يدفع بها الى الطباعة ، فهو كان حريصا على انتقاء كلماته حتى تكتسي القصيدة اناقته وابتسامته ونظرته المميزة.
منذ غياب الدرويش بدت الحياة الثقافية في حالة من التصحر فلم يعد لدينا رسول يرسم للعالم سر صمودنا العنيد وسحر آمالنا ويسمعه آهاتنا بعزف حرفي سيمفوني جاذب للدهشة وبصوت يعطي للكلمة الف صدى وكثيرا من المعنى . وقال مخاطبا القاريء:
يا قارئي
لا ترج مني الهمس
لا ترج الطرب
هذا عذابي ..
ضربة في الرمل طائشة
و أخرى في السحب
حسبي بأني غاضب