اطلس- كشف تقرير لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية، أن الجيش الإسرائيلي يتبع منذ وقت طويل سياسة تقضي بمنع المصابين الفلسطينيين وهم ملقون على الأرض، من تلقي أي علاج أو إسعاف خلال سبع وأربعين دقيقة. أما الحجة الإسرائيلية المزعومة
لهذا العمل اللاإنساني فهي تخوف الجيش الإسرائيلي المدجج بأعنف أنواع الأسلحة، من قيام الفلسطيني الجريح الملقى على الأرض دون حراك بتفجير نفسه أو حزام ناسف أو استعمال أسلحة تشكل خطرا على الجيش الإسرائيلي.
ورغم الشكاوى المتكررة ضد هذه السياسة العنصرية التمييزية الدموية من قبل الجيش الإسرائيلي ضد الجرحى الفلسطينيين، إلا أن إسرائيل ما زالت سادرة في غيّها وتواصل منع فرق الإسعاف الفلسطينية والإسرائيلية من تقديم العلاج العاجل للجرحى الفلسطينيين، إلا بعد سبعة وأربعين دقيقة يترك فيها الجريح ليواجه خطر الفناء. ومن نافل القول أن هذه الفترة الطويلة قادرة على القضاء على كائن حي إن لم تقدم له الإسعافات اللازمة بل العاجلة.
الغريب أن الدولة الإسرائيلية التي تعتد بديموقراطيتها الزائفة وتزهو بها، تتبجّح دائما بأنها لا تفرض عقوبة الإعدام وأنها تحترم الحق في الحياة للجميع. لكن هذا الإدعاء الزائف تكذبه الأحداث التي تقع للجرحى الفلسطينيين بين حادثة وأخرى، حيث تستعمل سياسة التصفية الجسدية للمقاومين الفلسطينيين وتقتلهم بدم بارد بطريقة أو بأخرى حيث تعددت الأشكال والموت واحد. فإسرائيل تزعم صباح مساء ونظريا وعلى الورق فقط بأن لا مكان لعقوبة الإعدام في أراضيها، بينما الحقيقة الواقعة والماثلة للعيان، بأن سياسة التصفية الجسدية، اختراع إسرائيلي وتطبيق إسرائيلي وإخراج إسرائيلي، سواء اتخذت الوسيلة شكل صاروخ أو طائرة بطيار أو بدونه أو عدم تقديم الإسعاف لفترة زمنية طويلة للجريح الفلسطيني أو حتى لو اتخذت الوسيلة شكل لوح من الشوكولاتة المسموم أو ظرف متفجر.
الغريب أيضا أن هيئة الصليب الأحمر الدولي والتي تعقد مؤتمرات أكاديمية مشتركة مع جيش الإحتلال الإسرائيلي وليس مع الفلسطينيين وهيئاته الأكاديمية، هذه الهيئة التي من صلب ميثاقها بل إن وجودها كله يقوم على مهمة إسعاف الجريح وتقديم الإسعاف الضروري له، وإنقاذ حياته من خطر الموت تبتعد عن واجبه الأساسي ولا تلّبيه. وتكتفي هذه الهيئة التي تدعي الحياد بين الضحية والجلاد بالحديث الهامس العاتب مع جنرالات الجيش الإسرائيلي وفي الصالونات الوثيرة المغلقة، وللأسف تمتنع عن إصدار حتى بيان لفظي يندد بقتل جريح فلسطيني أو منع العلاج اللازم له خلال سبع وأربعين دقيقة. وما علمت هذه الهيئة الإنسانية التي قامت لعلاج الحالات الإنسانية– وهي تعلم – أنها تخرق القانون الدولي الإنساني المتمثل باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 واتفاقيات لاهاي لعام 1907 وبروتوكولي 1977وهي الموكولة إليها تنفيذه وحسن تطبيقه. وكان الأجدر بها أن تطالب إسرائيل بوقف هذه السياسة وأن تأخذ المسألة إلى الساحة الدولية بكل متفرعاتها. وكان عليها أن تطلب بصرامة من نجمة داود الحمراء الإسرائيلية أن تتخذ إجراءات ضد السلطة الإسرائيلية وأن تطالبها بالتوقف عن هذه السياسة التمييزية التصفوية الدموية ضد الجرحى الفلسطينيين.
والعتب ايضا يوجه لهيئة الهلال الأحمر الفلسطيني، التي يقوم الجيش الإسرائيلي بمنع طواقمها من الإقتراب من الجريح الفلسطيني، إلا بعد سبع وأربعين دقيقة. فقد كان عليها واجب بتقديم العلاج والإسعاف للجريح الفلسطيني مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات. ويجب تذكير الإسرائيليين أن فرق الإسعاف الفلسطينية قدمت الإسعاف والعلاج لمستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية بسبب البعد الإنساني على الرغم من كونهم مجرمي حرب. ويجب أن تثبت نجمة داود الحمراء الإسرائيلية بمواجهة الهلال الأحمر الفلسطيني في قضايا الفلسطينيين الإنسانية وليس في قضايا أخرى كالشارة وعدد سيارات الإسعاف.
أما الحجة الإسرائيلية لمنع الطاقم الطبي من إسعاف الجريح الفلسطيني فهي أسخف من سخيفة وبعيدة كل البعد عن أية قيمة إنسانية وتخالف القواعد المستقرة في القانون الدولي الإنساني. فمنذ زمن طويل فإن الجريح الملقى على الأرض يجب أن يعامل بمنتهى الإنسانية وتقديم كل العلاج من الجيش الإسرائيلي ذاته له، ما دام قد فقد سلاحه أو لا يستطيع استعماله أو غدا عاجزا غير قادر على الحراك، وكأن الجيش الإسرائيلي بكل التقنية التي يملكها غير قادر على معرفة إن كان هذا الجريح الفلسطيني ملفع باحزمة ناسفة أم لا. ولو افترضنا جدلا أن الجيش الإسرائيلي يخشى من أحزمة ناسفة وما شاكل ذلك ولا يستطيع اكتشافها، فلم لا يلقي التبعة والمسئولية على فرق الإسعاف الفلسطينية وليس الإسرائيلية، التي تكون جاهزة ومستعدة لتقديم العون والإسعاف للجريح الفلسطيني ويوكل الأمر إليها. ما يضير الجيش الإسرائيلي في أن يتولى هذه المهمة رجال الإسعاف الفلسطينيين المتواجدين في الجوار، وما الذي يمنعه من السماح بالقيام بهذا العمل الإنساني أم أنه يعتقد بأن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت. الجيش الإسرائيلي لا يود تقديم الإسعاف للفلسطيني الجريح حتى يعلم الفلسطينيين أن مصيرهم الموت لو قاوموه ولن تقدم لهم الإسعافات حتى الأولية. بل إن السؤال المطروح ما هي المبررات الحقيقية لمنع تقديم الإسعاف والعلاج لجريح مدني ملقى على قارعة الطريق، إن لم يكن القتل فما هو؟!
ارتكبت الجيش الإسرائيلي على مدى سني الإحتلال من عقود خمسة، جرائم بشعة بحق المدنيين الفلسطينيين، فتارة يطلق الغاز المسيل للدموع في الأماكن المغلقة، أو يطلق الرصاص البلاستيكي والمطاطي والحي على المتظاهرين الفلسطينيين، أو يستعمل سياسة تكسير العظام والمعاملة المهينة فالعرب بحسب سياسييهم لا يفهمون سوى لغة القوة. لذا استعملوا الطائرات بدون طيار والتصفيات الجسدية دون محاكمة، ولم يتركوا وسيلة إلا استعملوها، ولكن هيهات هيهات يتوقفون عن نهجهم.
الحق في الحياة لبني البشر بغض النظر عن جنسهم وعرقهم ولغتهم ودينهم ولونهم، حق أصيل إلهي موروث طبيعي لا يمكن انتزاعه من البشر بطريقة تحكمية. وعمل السلطة الإسرائيلية بمنع طواقم الإسعاف من إسعاف الجريح الفلسطيني إلا بعد سبع وأربعين دقيقة ما هو إلا جريمة قتل بدم بارد، وتحت مسمى الأمن الإسرائيلي ترتكب تصفيات جسدية وقتل مدنيين يستحقون الحياة الكريمة. وقديما قالوا الدهر يومان يوم لك ويوم عليك !!