اطلس- ان الكارثة التي حلت بفلسطين وعبر نكبة عام 1948 قد نقرأها من زاوية الفشل العربي أو التقصير الشديد، ويربطها البعض بالتآمر، وقد نقرأها من زاوية المخطط الغربي-الصهيوني مسبق الإعداد والاستعداد وتهيئة المناخ للاستيلاء على فلسطين.
إن مشاركة عدة جيوش من الدول العربية والمتطوعين من الأحزاب أوالهيئات المختلفة دلّل على حيوية القضية، وبطولة المشاركين في هذه الحرب من معظم الشعوب والدول العربية، ما نحسب من ماتوا منهم وأمواتنا شهداء بإذن الله تعالى.
ولكن يمكننا أن نطلع على عجالة فقط على شهادة لمناضل عربي ليبي هو محمد حسن عريبي حول القصور العربي وهو الذي يكتب في كتابة (الفدائيون العرب في حرب 1948) ص171 قائلا بألم (قضينا أياما في دمشق الأبية العربية ، حصن الأحرار وملاذ الثوار وملجأ الليبيين الذين قاتلوا الطليان ، ومن دمشق عدنا إلى عمان فإلى نابلس ، وهنالك شاهدنا الجيش العراقي العظيم ، وكم تمنيت لو كنت قائدا لهذا الجيش ، أحارب الصهاينة به وحده ، وبسلاحه هذا ، ومدافعه هذه التي نراها ومدرعاته ، إذن لجعلت دولة "إسرائيل" تذكر في الأساطير قبل شهرين اثنين.
ومر بنا أحد الضباط على وحدة من وحدات الدفاع ، وأشار إلى مستعمرة صهيونية راقدة على البحر واسمها ناتانيا ، لا تبعد عن مواقع الجيش العراقي سوى عشرة أميال ، وقال : في استطاعة الجيش العراقي أن يحتلها في ليلة ... وباحتلالها تصل البحر ونفصم "إسرائيل" إلى قسمين . وبذلك نشتت قواها ونحطمها في مدى أيام ....
وقلت : ما يمنعكم من تنفيذ خطة ناجحة مثل هذه ؟
فأجاب بلهجة تقطر غيظا : أعطني سياسة وطنية أعطك فلسطين عربية ... لماذا لا نتحرر من ضغط الغرب واحتكاره ، إنه سلبنا الحرية . وها هو أخيرا يسلبنا حتى شرفنا العسكري ... لماذا لا نتحرر يا ناس؟
قلت في نفسي : ما له ثائر على هذا النحو؟
وكأنه أدرك ما يجول في خاطري .. فاستطرد يقول : و الله ما أنا شيوعي : ولكن يجب أن نضرب العدو المستعمر بأي سلاح.)[1]
ولسنا في هذا المبحث في مجال تقييم الأداء العربي العاجز آنذاك لدول في طور التشكل وجيوش ضعيفة ومتطوعين خاضوا البطولات، ولكن هيهات، لسنا في مجال التقييم بقدر ما نستعرض فيه الحقائق على الأرض والتي كرسها الاستعماريون الغربيون مع الصهاينة حتى وصلنا لنهاية المشروع القديم بالنكبة.
إن ابلغ استعراض للكارثة التي حلت بالفلسطينيين عام 1948 وما تلاها من سنوات نجدها واضحة في كتاب المؤرخ الاسرائيلي التقدمي (ايلان بابيه) الموسوم (التطهير العرقي في فلسطين) الذي يتناول بالتفصيل سرقة ارض فلسطين وطرد الفلسطيني بشكل منهجي وكلي وما رافق قيام "اسرائيل" من عزل للفلسطينيين في معازل (غيتوات) وانتهاك حرمة الأماكن المقدسة والاعتداءات الجسدية وصولا الى تكريس ما يسميه "بابيه" (محو الذاكرة) بطمس المعالم العربية بل واختلاق الروايات التي تنكر وجودها.
وللإجابة عن السؤال الكبير الذي طالما حيّر الكثير من الفلسطينيين والعرب حول كيفية تمكن الأقلية اليهودية في فلسطين عام 1948 من هزيمة الأغلبية العربية الفلسطينية فإن (إيلان بابيه) في كتابه[2] يجيب بعرض عدد من الأساليب والتكتيكات الصهيونية الناجحة كالتالي[3]:
[أولا : إعداد ملفات استخبارية عن عدد كبير من القرى الفلسطينية . يخبرنا "بابه" أنه مع نهاية الثلاثينيات كان إعداد الأرشيف قد اكتمل . وقد تضمن ملف كل قرية تفصيلات دقيقة عن موقعها الطوبوغرافي ، وطرق الوصول إليها ونوعية أراضيها وينابيع المياه ومصادر الدخل الرئيسية وتركيبتها الاجتماعية – الاقتصادية والانتماءات الدينية للسكان وأسماء المخاتير والعلاقات بالقرى الأخرى وأعمار الرجال (من سن 16-50) ومعلومات كثيرة أخرى (ص 19) وتوجد اليوم ملفات مشابهة تحمل النمط نفسه من المعلومات عن جميع القرى في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ويضيف بابه أن آخر تحديث لملفات القرى قد جرى سنة 1947 وكان التركيز فيه على إعداد قوائم بالأشخاص "المطلوبين" في كل قرية . وقد استخدمت القوات اليهودية هذه القوائم في سنة 1948 في عمليات تفتيش واعتقال كانت تتم أثناء احتلال قرية ما، وكان الأمر يتم على النحو التالي : يوقف رجال القرية في صف، ومن ترد أسماؤهم في القائمة يتم التعرف عليهم في معظم الاحيان من جانب الاشخاص الذين وشوا بهم لكن هذه المرة تكون رؤؤس الواشين مغطاة بكيس القماش فيه فتحتان عند العينين فقط ، كي لا تعرف هويتهم وكان الرجال الذين يتم فرزهم يقتلون على الفور (ص21) واستخدم الأسلوب نفسه خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان سنة 1982 واحتلال جنوبه ، لتحديد من سيتم توقيفه في معتقل "أنصار" وسجن "الخيام" اللذان أقامتهما "إسرائيل" وتواصل استخدامه في الضفة الغربية وغزة لتحديد أولئك الذين سيكونون ضحايا السياسة الاسرائيلية في "القتل المستهدف".
ثانيا : إن استخدام العملاء يقود بنا إلى التكتيك الآخر الذي يذكر أيضا بما هو سائد حاليا في الضفة والقطاع من أنشاء شبكة من المخبرين وكان أحد المنخرطين في هذا الجهد ، "موشيه باسترناك" الذي أوضح لاحقا بعد عدة أعوام انه صار لدى "الهاغاناه" في سنة 1943 "شبكة من المخبرين تستحق التسمية" (ص20).
ثالثا : أمر ثالث ثبت أنه كان له أهمية كبرى في سياق "إنشاء منظمة عسكرية فعالة" وهو [التدريب] بمساعدة ضباط بريطانيين متعاطفين وكان أشهرهم "أورد تشارلز وينغيت" الذي بحسب "بابه" "جعل القادة الصهيونيين يدركون بصورة أفضل أن فكرة إقامة دولة يهودية يجب أن تقترن بشكل وثيق بتحضيرات عسكرية وإنشاء جيش أولا وقبل كل شيء من أجل حماية الأعداد المتزايدة من الأراضي والمستعمرات اليهودية في فلسطين [...] ولكن أيضا [...] لأن الأعمال المسلحة الهجومية من شأنها أن تشكل رادعا فعالا ضد المقاومة المحتملة للفلسطينيين (ص15).
ويستنتج "بابه وتكتب بابيه أيضا" "ومن هنا إلى التفكير في طرد جميع السكان الاصليين بالقوة بات الطريق [...] قصيرا جدا (الصفحة نفسها ) ولقد نجح "وينغيت" في ربط قوات "الهاغاناه" بالقوات البريطانية خلال الثورة العربية كي تتعلم على نحو أفضل ماذا يجب أن تتضمن (مهمة تأديبية) ضد قرية عربية (ص16) فعلى سبيل المثال "عرفت قوة يهودية في حزيران / يونيو 1938 أول مرة ماذا يعني احتلال قرية فلسطينية ، إذ هاجمت وحدة تابعة "للهاغاناه" وسرية بريطانية معا قرية على الحدود بين "إسرائيل" ولبنان ، واحتلتها بضع ساعات (الصفحة نفسها).]
الحواشي:
[14] محمد عريبي، صراع الفدائيين، الفدائيون العرب في حرب فلسطين 1948،دار السلام للطباعة، القاهرة، ص171
[15]يقول الباحث صلاح عويس من الجمعية الوطنية لمناهضة الصهيونية على موقع (المناهضة) ( يستمد هذا الكتاب أهميته من أنه يعتبر بمثابة شهادة تفصيلية موثقة وحافلة بالأسماء والأرقام والوقائع يقدمها المؤلف الذي ينتمي إلى المؤرخين الإسرائيليين الجدد حول حقائق التطهير العرقي الذي نفذته العصابات الصهيونية المسلحة قبل النكبة في 1948، حيث يوضح أن التطهير العرقي الذي نفذه الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني جاء في إطار إستراتيجية إسرائيلية متكاملة وتجسيد للنزعة الإيديولوجية الصهيونية التي استهدفت أن تكون فلسطين لليهود حصرا، عبر إخلائها من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين).
[16]يعرض هذا الموضوع الباحث رجا شحادة في ورقته حول كتاب التطهير العرقي ل"بابه" لمجلة الدراسات الفلسطينية ، المجلد 18 ،العدد 71) صيف 2007 ،(ص 131 )
[1] محمد عريبي، صراع الفدائيين، الفدائيون العرب في حرب فلسطين 1948،دار السلام للطباعة، القاهرة، ص171
[2]يقول الباحث صلاح عويس من الجمعية الوطنية لمناهضة الصهيونية على موقع (المناهضة) ( يستمد هذا الكتاب أهميته من أنه يعتبر بمثابة شهادة تفصيلية موثقة وحافلة بالأسماء والأرقام والوقائع يقدمها المؤلف الذي ينتمي إلى المؤرخين الإسرائيليين الجدد حول حقائق التطهير العرقي الذي نفذته العصابات الصهيونية المسلحة قبل النكبة في 1948، حيث يوضح أن التطهير العرقي الذي نفذه الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني جاء في إطار إستراتيجية إسرائيلية متكاملة وتجسيد للنزعة الإيديولوجية الصهيونية التي استهدفت أن تكون فلسطين لليهود حصرا، عبر إخلائها من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين).
[3]يعرض هذا الموضوع الباحث رجا شحادة في ورقته حول كتاب التطهير العرقي ل"بابه" لمجلة الدراسات الفلسطينية ، المجلد 18 ،العدد 71) صيف 2007 ،(ص 131 )