اطلس- لا أكترث فى قليل أو كثير بالهجوم على شخصى على شبكات التواصل الاجتماعى، فيما يخص موقفى من: الجماعة، والجيش المصرى، على اعتبار أن مواقفى وكتاباتى تمثل قناعة بالنسبة لى
قد أصيب فيها وقد أخطئ، لكنى أحمد الله على أن عافانى مما ابتلى به غيرى.. عموماً، عددهم قليل للغاية.. بعضهم ربما ينتسب للإخوان، والبعض الآخر من غيرهم.. وسواء هؤلاء أو أولئك، فالملاحظ أنهم يتسمون بقلة الفهم وغياب الوعى، فضلاً عن سوء الأدب وتدهور الأخلاق.. لقد كانت فى أيدى الإخوان فرص كثيرة، لكنهم - للأسف - أساءوا التصرف، فأضاعوها وأضاعوا أنفسهم وأوشكوا أن يضيّعوا الوطن.. ينسى هؤلاء أننى أطرح قضايا مهمة مرتبطة بالسلبيات التى وقع فيها الإخوان؛ سواء أثناء فترة حكمهم، أو أثناء تعاملهم مع الأزمات التى مروا بها خلال الثورة عليهم، أو بعد الإطاحة بهم.. أناقش قضايا فكرية تمثل خللاً واضحاً فى البناء الفكرى للإخوان، لعل هناك من يقرأ بوعى وفهم، فيستدرك ما فات، كما قال عمر (رضى الله عنه): «رحم الله امرءًا أهدى إلىَّ عيوبى».. ثم إنه لم يحدث أن تكلمت عن مجموعة من القيادات، بدءًا من التلمسانى وانتهاء بالهضيبى، إلا بكل خير، على الرغم من أنهم - كبشر - أصابوا وأخطأوا، مما يدل على أن الإخوان لا يقرأون.. وعندما تكلمت عن «عاكف»، اتصل بى بعضهم يعاتبنى بشدة، ولم يلتفت إلى أنى تكلمت عن إيجابيات الرجل وسلبياته.. وفى نحو ١٩ مقالاً بصحيفة «المصرى اليوم» وتحت عنوان «البنا فى الميزان»، أفضت فى الحديث عن الرجل بصفته مؤسس الجماعة، وكنت موضوعياً ومنصفاً إلى أقصى حد، وقلت إن «البنا» اجتهد وفق معطيات عصره، فأصاب وأخطأ..
(٢) فى قضية الشورى، وللحقيقة والتاريخ، كانت قيادات جماعة الإخوان من أمثال: عمر التلمسانى، محمد حامد أبوالنصر، مصطفى مشهور، والمأمون الهضيبى (رحمهم الله جميعاً) ينفذونها على وجهها الصحيح.. وما رأيت واحداً منهم يتصرف على النحو الذى كان يفعله الدكتور «عزت».. ففى اجتماعات مكتب الإرشاد أيام الأستاذ عمر، كان يعرض علينا القضية يريد رأينا فيها، فيبدأ بفلان ثم علان، وهكذا إلى أن يستمع إلى الجميع.. ومن عجيب الأمر أن الرجل لم يكن يعلق على رأى، فهو لا يبدى استحساناً أو امتعاضاً لهذا الرأى أو ذاك، بل يظل صامتاً طول الوقت.. كان كمن وضع قناعاً جامداً على وجهه.. وكان الدكتور أحمد الملط (رحمه الله) يقول له: قل لنا رأيك يا أستاذ عمر، فيكون رده: لا، حتى أستمع إليكم جميعاً، فإذا كان ثمة إجماع على رأى اعتمدناه.. ثم يستشهد بقول النبى (صلى الله عليه وسلم) لأبى بكر وعمر (رضى الله عنهما): لو اجتمعتما على أمر ما خالفتكما.. هكذا كان الأستاذ عمر.. وهكذا كان الأستاذ محمد حامد أبوالنصر.. ولم يكن الأستاذ مصطفى مشهور يقل عنهما استمساكاً، بل كان يعطى الفرصة للكبير والصغير على السواء.. أما الأستاذ المأمون الهضيبى، فكان فى هذه القضية أكثر من رائع.. أتذكر جيداً أنه بعد شهر واحد من توليه منصب المرشد العام، أراد أن يعين له نائباً.. وعلى الرغم من أن اللائحة الداخلية للتنظيم تعطيه هذا الحق، إلا أنه استطلع رأى كل واحد منا فيمن يراه أصلح للمنصب.. وزاد على ذلك بأن وزع علينا مظروفاً به ورقة طلب فيها تحديد ثلاثة أسماء لتولى منصب النائب، وأن نرتب الأسماء تنازلياً، وأن نسلمه المظروف بعد أسبوع.. وقد كان.. مضى أسبوع، وثان، وثالث.. ولا خبر.. فتجرأ الأستاذ لاشين أبوشنب، عضو مكتب الإرشاد، وقال له: إيه أخبار المظاريف؟ ابتسم الأستاذ المأمون ولم يرد.. فقال ثان: أيوه صحيح.. إيه أخبار المظاريف؟ قال الأستاذ المأمون: لقد توزعت الأصوات.. ومن ثم ظل المنصب خالياً.. ولاحت لى فكرة بعد مضى أشهر، وهى أن يختار أعضاء مكتب الإرشاد ثلاثة، ويختار المرشد منهم واحداً، أو يختار هو ثلاثة ويختار الأعضاء منهم واحداً.. عرضت عليه الفكرة، فقال دعنى أدرسها قبل عرضها على المكتب، لكنه توفى بعدها بأيام..
(٣) أما الشورى عند الدكتور محمود عزت، فله منها موقف آخر.. إذ لم أره يوماً حريصاً على أن يأخذ رأى من حوله أو من معه فى أية قضية أو موقف، بل عادة ما تكون المسألة أشبه بتعليمات يصدرها إليهم.. حتى فى المرات التى كان يستطلع فيها رأى الإخوان، تجده لا يدع لهم حرية الاختيار، مع أن هذه هى أبسط مبادئ الحرية، التى هى أساس الشورى، أو تجده يضمّن الاستطلاع عبارات تفيد توجهاً معيناً يسعى هو إليه.. مثلاً.. إذا أرسل إلى الإخوان فى القواعد يستطلع رأيهم حول المشاركة فى الانتخابات البرلمانية من عدمها، فنجده يستهل خطابه بقوله إن المشاركة فى الانتخابات واجب شرعى، وبالتالى فقد حسم الرجل الموقف من البداية، إذ لا يوجد فى هؤلاء من يريد أن يرتكب محظوراً شرعياً.. بل كان يستدعى بعضهم لمناقشتهم فى جدوى المشاركة، وقد يقضى وقتاً طويلاً فى محاولة إقناعهم بها.. إنه يجعل هذا الأمر قضيته الكبرى.. لا بأس من المناقشة وتبادل وجهات النظر، لكن أن يصل الأمر إلى استغلال الموقع القيادى فى ممارسة الضغط على الأفراد لتبنى الموقف الذى تريده، فهذا ليس شورى، وإنما هو استبداد.. فى عام ٢٠٠٨، قبل انتخابات المحليات فى مصر، اكتشفت أنه أرسل استطلاع رأى من هذه النوعية إلى الإخوان فى القواعد، وهو ما أثار دهشتى واستغرابى.. وعندما سألنى بعضهم عن ذلك، قلت: هذا قرار سياسى ولا علاقة له بالواجبات الشرعية.. فقد شاركنا - نحن الإخوان - فى انتخابات البرلمان عامى ١٩٨٤ و١٩٨٧، وقاطعناها عام ١٩٩٠.. وفى هذه المرة الأخيرة، لم نرتكب جرماً ولم نقترف إثماً (!) وفى أكتوبر عام ١٩٩٥، كنا نحو ٨٣ فرداً من الإخوان فى سجن ملحق مزرعة طرة، حيث كانت تجرى محاكمتنا عسكرياً بتهمة الانتماء لتنظيم محظور، أُسس على خلاف الدستور والقانون.. كان معظم الموجودين أعضاء فى مجلس الشورى العام للجماعة، يعنى أصحاب وعى وخبرة وتجربة.. وكان المفروض أننا - كقيادة - يجب أن نستطلع رأى هؤلاء فى أمر يخص المحاكمة العسكرية، وإذا بالدكتور عزت يحاول إكراه الإخوان على اتخاذ رأى معين، لكنى وقفت دون ذلك بكل حسم وحزم، فاضطر للانصياع لما أردت.. (وللحديث بقية إن شاء الله).
*نقلا عن "الوطن" المصرية