اطلس- على خلفية التطورات الأخيرة التي شهدها الملف السوري، وتلويح الإدارة التركية بالتدخل البري في سوريا بالتعاون مع حلفائها الخليجيين، تلوح في الأفق تداعيات هذه التحركات
على الوضع الداخلي التركي. ففي الوقت الذي أعلنت فيه القيادة السياسية دعمها لاستعداد السعودية المشاركة في التدخل العسكري البري في سوريا، تثير هذه التصريحات خلافات كثيرة داخل الأوساط العسكرية.
شهدت تركيا خلال الفترة الماضية العديد من الخلافات داخل الأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة، على خلفية موقف القيادة التركية التي يتزعمها رجب طيب أردوغان وحكومته من الملفات الخارجية، لا سيما الأزمة السورية والحملة التي يقودها ضد الأكراد، لكن في الأيام القليلة الماضية وصلت الخلافات إلى مرحلة غير مسبوقة، حتى ظهرت في الإعلام التركي ووكالات الأنباء العالمية.
خلافات الجيش التركي وأردوغان
وصلت خلافات الجيش التركي وأردوغان إلى حد تذمر بعض قيادات الجيش التركي خلال الفترة الأخيرة، على خلفية تلويح أردوغان بسعيه للتدخل البري في سوريا، وكان له عدة سوابقخلال العام الماضي، فبعدما أسقط الجيش التركي الطائرة الحربية الروسية على الحدود السورية التركية نوفمبر الماضي، خرجت تسريبات من قيادات الجيش التركي لتؤكد أن إسقاط الطائرة الروسية جاء بناءً على تعليمات مسبقة وأكيدة من الحكومة التركية، وأن القيادة السياسية هي التي تتحمل نتائجه، وأن الجيش لا يفتعل الأزمات مع دول الخارج.
وخلال اليومين الماضيين تسببت تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان بخصوص دخول سوريا التي قال فيها «إن قرار رفض مذكرة الدخول في العراق في الأول من مارس 2001 كان خاطئًا، ولن نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى في سوريا» في فتح النقاش أمام تفسيرات مفادها: هل سيدخل الجيش التركي سوريا أم لا؟ إلا أنه وردت تصريحات من القوات المسلحة التركية لافتة للانتباه، وترد على تصريحات أردوغان بقولها «إن الجيش التركي لن يخطو أبدًا خطوة في الأراضي السورية دون قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
اللافت في هذا التصريح هو وقت صدوره، حيث جاء في أعقاب الاجتماع الأمني الطارئ برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، وهو اجتماع كان سيُحدَّد فيه بحسب «أردوغان» قرار دخول سوريا من عدمه. لكن يمكن القول بأن تصريح الجيش التركي لصحيفة حرييت عقب هذا الاجتماع مباشرة واستخدامه عبارات صريحة من قبيل أن تركيا لا يمكن أن تخطو خطوة في سوريا دون قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعني ردة فعل على «أردوغان» الذي يرغب في الدخول إلى سوريا بعملية مشتركة بين تركيا والسعودية.
ثمة من يري أن الجيش التركي يعلم جيدًا أن المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، لن يستطيع إرسال قوات عن طريق قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ بسبب موقف روسيا، والتي استخدمت حق الفيتو في كافة القرارات السابقة؛ ولذلك تعارض بشكل صريح رغبة «أردوغان» بالتدخل العسكري في سوريا.
خلافات داخل حزب العدالة والتنمية
فيما يخص موقف الأحزاب التركية من سياسة أردوغان الخارجية في الملفين السوري والعراقي، فالجميع يعلم أن هناك رفضًا من أحزاب المعارضة إزاء هذه السياسة، ولكن ما يُعَدُّ تطورًا في هذا المشهد هو رفض نخب سياسية داخل الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) التحركات التركية الأخيرة على الصعيد الخارجي، خاصة في الأزمة السورية.
ما تردد من أحاديث في اليومين الماضيين للرئيس التركي السابق عبد الله جول أحد أبرز القيادات في الحزب الحاكم ،المختفي من المشهد السياسي منذ اعتلاء أردوغان للحكم، يوضح مدى الخلافات داخل (العدالة والتنمية) في الملف السوري. وما يدل على ذلك خروج تقارير تؤكد أن أردوغان اجتمع مع جول ليطلب منه المساعدة في إخماد حالة التذمر داخل الحزب الحاكم، لكن جول أثلج صدره بقوله « إنه لا يعتزم العودة إلى السياسة قريبًا»، موجهًا له سهام الانتقاد على سياساته في الملفين السوري والكردي. وقال أحد المقربين لجول إن «جول لم يجتمع مع أردوغان للوساطة بين الطرفين، بل للتحذير، فهو قلق من العلاقات مع سوريا والعراق والاتحاد الديمقراطي السوري والتطورات في السياسة الخارجية».
ضرب الأكراد في سوريا وتداعياته على الداخل
التطورات التي يشهدها الملف السوري أزعجت أكراد تركيا أكثر من أي وقت مضى، لا سيما بعدما وجهت أنقرة نيران دباباتها نحو الأكراد في سوريا، حيث يعتبرون «حزب الشعوب الجمهوري» الكردي في تركيا امتدادًا عرقيًّا وإيدلوجيًّا لهم، ومن هنا خرجت سهام الاتهامات من الحزب تجاه أردوغان وحكومته.
ويرفض أكراد سوريا موقف أردوغان من الملف السوري، إذ قال صلاح الدين دميرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي في أعقاب تلويح تركيا بالتدخل البري في سوريا: إن التحالف التركي مع دول خليجية يهدف إلى إنقاذ تنظيمي «داعش النصرة» من النهاية الحتمية التي تنتظرهما في سوريا والعراق.
وأضاف دميرتاش أن مشاركة القوى الجوية الروسية في سوريا ضيق الخناق على هذه التنظيمات الإرهابية، التي لم يعد بإمكانها القيام بالأعمال الإرهابية التي كانت تقوم بها «بحرية كاملة» في سوريا، معلقًا على تصريحات وزير الخارجية جاويش أوغلو الذي تحدث عن احتمالات «أن يقوم الجيش السعودي والتركي بعمل مشترك ضد داعش في سوريا»، قائلًا «إن سماح الحكومة للقوات السعودية بالمجيء إلى قاعدة أنجيرليك الأمريكية يحمل في طياته رغبتها في الحرب ضد الدولة السورية»، مؤكدًا أن «دخول أي قوات دون موافقة الأمم المتحدة لسوريا تعتبر احتلالًا».
هذه التصريحات اللاذعة من قِبَل حزب الشعوب الكردي ضد القيادة التركية تشير بوضوح لاحتمال تصاعد الخلافات بين الأكراد وأنقرة في الداخل التركي خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي يراه محللون أنه يفتح الكثير من الجبهات المعقدة، والتي تعتبر تركيا في غنى عنها خلال المرحلة المقبلة.