اطلس- مع التدخل أو التورط الروسي المباشر والمتصاعد في المأساة السورية، وانشغال العالم وبالأخص الولايات المتحدة ودول أوروبية في كيفية التعامل
مع هذا التدخل أو التورط، وبل مراقبته لكي يمعن في التورط والغوص في المستنقع السوري، في ظل هذه الألعاب والمصالح العالمية القذرة، فإن من يدفع الثمن هو الشعب السوري بأجمعه، وبالأخص المدنيون الأبرياء، الذين باتوا لا يعرفون أو لا يتوقعون متى ومن أين سوف يكون القصف أو الانفجار أو الدمار القادم؟
ومع تعمق المأساة السورية، وبشكل محزن وعنيف، وفي ظل ازدياد تعقيد الوضع، وعدم وجود أية بادرة في الأفق، فإن كل ذلك هو تذكير للآخرين، ونحن الفلسطينيين منهم، بل من أولهم، كيف أن السماح أو فتح الأبواب للآخرين بالتدخل في أوضاعاهم وأمورهم الداخلية، من الممكن أن يكون سهلا، ولكن الخروج من هذه الأبواب أكثر تعقيدا وإيلاما وشراسة، وبالأخص حين تدخل دول ومصالح وتدفع ثمن ذلك، سواء من فلوسها أو معداتها أو حتى من أرواح أو دماء أفرادها؟
والمأساة السورية، باتت هذه الأيام وبشكل متكرر ومتصاعد تتفوق على مآسي الآخرين، سواء أكانوا نحن أي الفلسطينيين أو العراقيين أو اليمنيين أو الليبيين أو غيرهم من الشعوب، التي مازالت تعاني، سواء بسبب الآخرين وأطماعهم أو بسبب أنفسهم وجشع السلطة والقوة، وهذه المأساة التي شردت أكثر من خمسة ملايين لاجئ وأدت إلى وفاة مئات الآلاف وإلى تدمير معالم وقرى وظواهر حضارية، أدت عمليا إلى إزالة أو اختفاء سورية، الدولة العربية المتماسكة، المتعايشة مع بعضها البعض، والتي كانت وقبل عدة سنوات فقط يحسب لها حساب في معادلات المصالح الإقليمية والعربية، وفي القرارات الدولية، وحتى في الحفاظ على استقرار دول في المنطقة.
وبالإضافة إلى المأساة في داخل البلدات والمناطق السورية، فهناك مأساة اللاجئين في العالم في هذه الأيام، وغالبيتهم من السوريين، والتي تعتبر من أضخم المآسي الإنسانية في العصر الحديث، حيث هناك الملايين من اللاجئين السوريين الذين يهربون من الجحيم في بلادهم، إلى كل الاتجاهات في هذا العالم، ومنهم النساء والأطفال والعائلات بأكملها، والمحزن بشدة هنا، إن هؤلاء اللاجئين يهربون أو يتم تشريدهم من خلال أبناء جلدتهم أو أمتهم، أي أن أبناء الشعب الواحد هم من يقوم بذلك، وليس الغرباء أو الأجانب الذين قدموا لكي يحتلوا بلادهم ويحلوا مكانهم؟
ومأساة ملايين اللاجئين، والتي تشهد ومن خلال العالم على عمق المأساة السورية، تعتبر عارا وفشلا كبيراً للمنظومة الدولية، سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي، وسواء على مستوى العمل الأهلي أو المنظمات الدولية، ومن الواضح أن حجم وتفاقم المأساة بات أكبر بكثير من طاقاتها وطبيعة عملها، وهذه المأساة لتثبت مرة أخرى أن التبجح بالمفاهيم الإنسانية وحقوق الإنسان يتلاشى، أمام المصالح وأمام السياسات ومراكز القوى والتجاذبات وأمام السعي إلى السيطرة وإثبات الوجود؟
ومع التورط الروسي المتدحرج والذي يزداد عنفا، ومع استمرار دوامة اللجوء والهجرة وتفريغ البلد، وبالتالي مواجهة الموت بأشكاله المختلفة، سواء الموت من خلال الغرق في مياه البحر المظلمة أو كطعام للأسماك، أو من خلال الموت بالرصاص خلال المطاردة على حدود العديد من الدول، أو من خلال البرد الشديد أو بسبب الاكتظاظ الرهيب أو سوء التغذية أو الأمراض، في المخيمات الكثيرة المنتشرة في دول بعيدة وقريبة، أو الموت من خلال قنابل وصواريخ الطائرات التي بات من الصعب معرفة مصدرها، تتواصل المأساة المحزنة في سورية، لتكون عبرة لنا ولغيرنا بعدم السماح للآخرين أو اعطائهم مبررات وبصرف النظر عن أنواعها للتدخل في الشؤون الداخلية، سواء أكان ذلك تحت مجال الحفاظ على الاستقرار أو مكافحة الإرهاب أو حماية القوانين والحقوق الإنسانية أو حفظ السلام وما لذلك من عبارات؟
ما هي التداعيات الصحية والبيئية لليورانيوم المنضّب؟
مع الارتفاع المطرد في حالات الاصابة بمرض السرطان في قطاع غزة، والتي تتجاوز الـ 70 حالة شهريا حسب بعض التقارير، يعود الحديث مرة اخرى عن متبقيات أو عن الملوثات الكيميائية المختلفة، التي خلفتها الحروب المتكررة على قطاع غزة، ومن ضمن التقارير الحديث عن احتمال استخدام اليورانيوم المنُضب خلال الحرب الأخيرة على غزة، وما لذلك من عواقب صحية وبيئية قد تكون بعيدة المدى، وللعلم فإن استخدام اليورانيوم المُنضب قد تمت الإشارة إليه سابقاً وخاصة خلال الحرب في العراق وحرب الخليج الاولى، أو في الحرب في كوسوفو، وقد جرت دراسات وابحاث من اجل تبيان مدى بقائه في البيئة وآثاره على الإنسان، وبالاخص الاثار بعيدة المدى، التي من الممكن أن تنعكس على شكل امراض مزمنة؟
اليورانيوم المنُضب هو احد العناصر الثقيلة المشعة، وهو ذو كثافة مرتفعة، حيث تبلغ كثافته 1.6 مرة كثافة الرصاص. ويُعتبر أحد النواتج الجانبية لعملية تخصيب اليورانيوم، وتعتمد سميته على نوعية المركب الموجود فيه وعلى ذائبية في المياه، حيث كلما ازدادت ذائبيته ازدادت سميته.
يدخل اليورانيوم المنُضب إلى الجسم من خلال الجلد أو العيون أو عن طريق الجهاز التنفسي من خلال الاستنشاق، وينتقل من الأم الحامل إلى الجنين من خلال المشيمة، وينتشر في أعضاء الجسم المختلفة ويتم التخلص منه من الجسم عن طريق البول.
ومن الأضرار الصحية الآنية للتعرض إلى اليورانيوم المنُضب التأثير على عمل الكلى وعلى الجهاز التنفسي وقد يؤدي إلى الموت، ويسبب كذلك السعال المزمن، وحصوات في الكلى، أما على المدى البعيد فقد يؤدي إلى سرطان الرئة والعظام، وأشار بعض الدراسات إلى أن التعرض إلى اليورانيوم المنُضب أدى إلى التأثير على الكلى وإلى أحداث تشوهات في العظام، وتغييرات عصبية، ونقص حاد في نسبة الحمل في الفئران التي تم تعريض اليورانيوم المنُضب لها، وكذلك تأثيرات على الجهاز العصبي والتناسلي، وتزداد خطورة اليورانيوم المنضب إذا تم التعرض له وبشكل مشترك مع مواد كيميائية أخرى.
أما التأثيرات البيئية لاستعمال اليورانيوم المنُضب فهي وخيمة ويمكن أن يبقى في البيئة لمئات وربما لآلاف السنين، حيث يتراكم في التربة وينتقل في النظام البيئي، ويتحلل ببطء شديد، وبالتالي فإن عملية التخلص منه تبدو غير عملية على الإطلاق.
لذا فإن الحديث عن استخدام اليورانيوم المنُضب خلال الحرب على غزة حديث خطير للغاية، حيث إن وجوده إذا تم التأكد منه يجب التعامل معه بكل جدية وحذر، خاصة آثاره الصحية البعيدة المدى واحتمالات تلويثه للبيئة الفلسطينية من مياه، تربة، وطعام ولفترة طويلة.